تواجه الصين الأزمة الاقتصادية الأكبر والمتعلقة بجيش من العاطلين عن العمل يتعاظم يومياً، وذلك مع تفاقم الحرب التجارية التي اندلعت بين أكبر اقتصادين في العالم، وهي الحرب التي أثرت سلباً على عدد كبير من الشركات الصينية بسبب القيود الجمركية الأميركية والتي تسببت بتقليص أعمال الكثير من المصانع والشركات، وبالتالي اضطرت لخفض الوظائف فيها.
وأدى تباطؤ سوق الإسكان المزمن وارتفاع معدل البطالة بين الشباب إلى جعل الصين أكثر ضعفاً مما كانت عليه خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى.
وقال تقرير نشرته جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية، واطلعت عليه "العربية Business"، إن الاقتصاديين يختلفون بشدة حول حجم الضرر الذي سببته رسوم ترامب الجمركية، لكن ما يحدث أكد بشكل قاطع على أهمية الوظائف في اقتصاد الصين المعتمد على التصدير.
وبعد أربعة أشهر من بدء ولاية ترامب الثانية، عادت الولايات المتحدة والصين للتفاوض بشأن الرسوم الجمركية، فيما يحتل سوق العمل الصيني، وخاصة وظائف المصانع، مركز الصدارة والاهتمام.
ويعاني الاقتصاد الصيني حالياً، حيث أدى تباطؤ سوق العقارات المستمر، الذي تفاقم خلال جائحة "كورونا" إلى القضاء على الوظائف وجعل الناس يشعرون بالفقر، كما يتدفق خريجو الجامعات الجدد إلى سوق العمل في وقتٍ يتجاوز فيه معدل البطالة بين الشباب خانة العشرات.
وصرحت أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك "ناتيكسيس" الاستثماري، قائلةً: "من الواضح أن الوضع أسوأ بكثير".
وأضافت أنه مع اختفاء فرص العمل في القطاعات الأخرى، ازدادت أهمية الحفاظ على 100 مليون وظيفة في قطاع التصنيع في الصين.
وهذا الشهر، اتفق المسؤولون الصينيون والأميركيون على خفض الرسوم الجمركية العقابية التي فرضوها على بعضهم البعض مؤقتاً، في محاولةٍ لتجنب العودة إلى حرب تجارية شاملة من شأنها أن تهدد بتقويض اقتصاد كلا البلدين.
وفي تقرير بحثي، قال "ناتيكسيس" إنه إذا ظلت الرسوم الجمركية الأميركية عند مستوياتها الحالية البالغة 30% على الأقل، فإن الصادرات إلى الولايات المتحدة ستنخفض بمقدار النصف، مما يؤدي إلى تبخر ما يصل إلى ستة ملايين وظيفة في قطاع التصنيع. وإذا
استؤنفت الحرب التجارية بالكامل مرة أخرى، فقد يرتفع عدد الوظائف المفقودة إلى 9 ملايين وظيفة.
وكافح الاقتصاد الصيني للتعافي من جائحة "كورونا"، حيث توسع بوتيرة أبطأ مما كان عليه في سنوات ولاية ترامب الأولى، عندما كان النمو يتجاوز 6% سنوياً. وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية صرحت بأنها تستهدف نمواً بنحو 5% هذا العام، إلا أن العديد من الاقتصاديين توقعوا ألا يصل الرقم الفعلي إلى هذه المستويات.
وفي أوائل عام 2018، أعلنت الصين أن معدل البطالة في المناطق الحضرية قد انخفض إلى أدنى مستوى له في 15 عاماً، وأن البلاد قد خلقت عدداً قياسياً من الوظائف الجديدة. ومنذ ذلك الحين، أدت الإجراءات الحكومية الصارمة واللوائح الأكثر صرامة إلى إضعاف قطاعات مثل التكنولوجيا والتعليم عبر الإنترنت، وهي قطاعات كانت مزدهرة في السابق وخلقت أكواماً من الوظائف الجديدة.
وعلى مدار تلك السنوات، ارتفعت معدلات البطالة بشكل خاص بين الشباب، حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً 15.8% في أبريل الماضي، وهو أفضل من الشهر الذي سبقه، ومع ذلك، من المتوقع أن يرتفع الرقم مرة أخرى عندما ينضم 12 مليون خريج جامعي جديد إلى القوى العاملة هذا العام. وفي عام 2023 عندما وصلت معدلات بطالة الشباب إلى مستوى قياسي بلغ 21.3% أوقفت الحكومة الصينية نشر الأرقام. وفي ذلك الوقت، زعم أحد الاقتصاديين البارزين أن الرقم الفعلي كان أقرب إلى 50%، وبدأت بكين في نشر الأرقام مجدداً العام الماضي بمنهجية جديدة خفضت معدل البطالة.
وتقول "نيويورك تايمز" إن الشركات أيضاً أصبحت تقلل من تقديم وظائف بدوام كامل، حيث باتت تتجه بدلاً من ذلك إلى العمال المؤقتين في خدمات مثل توصيل الطعام والتصنيع، وبينما توفر هذه الوظائف مرونة أكبر للعمال، إلا أنها عادةً ما تكون أجورها أقل وتوفر حماية أو مزايا وظيفية محدودة.