الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - أخبار العالم - أمريكا لم تعُدْ القوة التي لا يمكن الاستغناء عنها

أمريكا لم تعُدْ القوة التي لا يمكن الاستغناء عنها

الساعة 02:59 مساءً

 

 

قل ما شئت عن سكوت بيسنت، لكن إصرار وزير الخزانة على ادعاء وجود منطق في كل تحول عشوائي لسياسة تعريفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصبح عرضاً مسلياً في الخارج الآن، بيسنت ومسؤولون آخرون في الإدارة يتجولون حالياً في أنحاء العالم.

 

في محاولة يائسة لتوقيع عشرات الاتفاقيات التجارية، بينما الأسواق المالية المتناحرة تصوب ـ مجازاً ـ مسدساً إلى رؤوسهم، ورغم كل هذا يُطلب منا أن نصدق أنها خطة ماكرة.

 

من الواضح أن استراتيجية ترامب سيئة للغاية، فليس من الواضح حتى ما يريده، لكن إدارة أقل فشلاً كانت ستكافح أيضاً. فعلى مدار عقود، تضاءلت قوة الولايات المتحدة لإعادة تشكيل نظام التجارة العالمي، وتدفقات رأس المال والتكنولوجيا المتقدمة والوصول إلى سوقها الاستهلاكي الضخم تراجع، مقارنة بالصين.

 

لقد اعتاد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن يصف الولايات المتحدة بأنها «الأمة التي لا غنى عنها». ومن الناحية التجارية والتقنية، هذا غير صحيح بشكل متزايد.

 

خلال خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، أنشأت الولايات المتحدة اقتصاداً سياسياً أطلسياً إلى حد كبير في أوروبا الغربية. لم تقدم مساعدات مارشال المالية فقط ولكن أيضاً التكنولوجيا المتقدمة والوصول إلى سوقها الاستهلاكي المتنامي.

 

لكن تلك المزايا تبددت، وتقلصت ميزانيات المساعدات الأمريكية بشكل كبير مقارنة بالصين، و«إدارة كفاءة الحكومة» المزعومة أغلقت إلى حد كبير آخر بقاياها في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.وعملت الولايات المتحدة، خصوصاً في عهد جو بايدن، بجد لحرمان الصين من التكنولوجيا المتقدمة، خصواً أشباه الموصلات.

 

لكن فشلت الحكومة الأمريكية، رغم الحوافز والإعانات التي قدمتها، في ضخ استثمارات كافية تقارب أو تنافس حجم الإنفاق الصيني الرسمي والخاص على التصنيع والبحوث، ما أرسل إشارات خاطئة إلى الصناعة الأمريكية، بما يعني أنها متأخرة كثيراً في كثير من قطاعات التكنولوجيا الخضراء.

 

وإذا أراد بلد ما تبني الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو استبدال محركات الاحتراق الداخلي بالسيارات الكهربائية، بما في ذلك البطاريات، فسيحصل عموماً على المعدات المدعومة بشكل كبير من الصين.

 

تقدر شركة الاستشارات «روديوم جروب» أن حصة الصين من الصادرات العالمية في الخلايا والوحدات الشمسية بلغت 53.5% في عام 2023، ارتفاعاً من 35.5% قبل 10 سنوات، وارتفعت إلى أكثر من 50% لبطاريات الليثيوم أيون والسيارات الكهربائية شبه المصنعة.

 

حاولت الولايات المتحدة، باستخدام الإعانات والتعريفات الحمائية على الواردات، بناء إنتاجها الخاص من البطاريات والسيارات الكهربائية والطاقة الشمسية للسوق المحلية.

 

هذا الأسبوع، تحققت مبادرة بايدن في الإعلان عن تعريفات متوسطة الارتفاع تصل إلى 3.521% على الخلايا الشمسية من دول جنوب شرق آسيا. قد يكون هذا ضرورياً سياسياً للحفاظ على الطاقة الشمسية حية في الولايات المتحدة، لكنه لن يجعلها أبداً مصدراً تنافسياً.

 

بالمثل، بالنسبة للسيارات الكهربائية، يحاول الاتحاد الأوروبي دمج الإنتاج الصيني المتطور في سوقه المحلية، لكن الولايات المتحدة، التي تشوهت فيها صناعة السيارات المحلية بسبب الحماية التجارية لشاحنات البيك أب العملاقة التي تستهلك الوقود بكثرة ولا تريدها أي دولة أخرى، تخلق قطاعاً للسيارات الكهربائية منخفض التقنية وعالي الأسعار لا يمكنه المنافسة في الخارج.

 

إذا لم تستطع الولايات المتحدة تقديم التكنولوجيا لتأمين الاتفاقيات التجارية، فهل لا يزال لديها سوقها المحلية كحافز؟

 

هنا تحتفظ بميزة على الصين، التي تواصل اتباع نموذج نمو التصدير الموجه. أخبرتني منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه في عام 2019، وهو آخر عام قبل كوفيد يمكنهم فيه حساب هذه البيانات، كانت حصة الولايات المتحدة من إجمالي واردات السلع العالمية 15.4%.

 

لكن حصتها من الطلب النهائي (الذي يأخذ في الاعتبار القيمة المضافة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج) كانت 17.5%، أعلى بكثير من 9.7% للصين وحتى 11.3% للاتحاد الأوروبي.

 

لطالما استخدمت الولايات المتحدة الوصول إلى السوق كطعم لشركاء التجارة لخفض التعريفات وتبني القواعد الأمريكية بشأن حقوق الملكية الفكرية وما إلى ذلك.

 

وربما كانت آخر صرخة لهذا التكتيك هو الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تم إنشاؤها بدقة، والتي وقعت عليها 12 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ عام 2016 والمصممة لتطويق الصين باقتصادات موجهة نحو الولايات المتحدة.

 

لكن الكونغرس علق الاتفاقية قبل أن يسحب ترامب الولايات المتحدة بالكامل منها عام 2017، ومضت الدول المرفوضة قدماً وحولت الشراكة عبر المحيط الهادئ إلى «الشراكة الشاملة والتقدمية» بدون الولايات المتحدة، مع استبعاد أحكام الملكية الفكرية.

 

منذ ذلك الحين، تقلصت آفاق استخدام السوق الأمريكية للحصول على نفوذ، ليس فقط بسبب التراجع في حصة أمريكا من الاقتصاد العالمي ولكن بسبب سمية الاتفاقيات التجارية في واشنطن.

 

حاولت إدارة بايدن استعادة النفوذ الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال «الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل الازدهار».

 

لكن ذلك لم يخلق سوى ذهولاً في المنطقة من خلال محاولة إقناع الدول الشريكة بتبني معايير العمل الأمريكية والقواعد الأخرى دون تقديم أسواق تصدير في المقابل.

 

فكرة ترامب هي التهديد بسحب الوصول إلى السوق بفرض تعريفات عالية ثم استعادته مقابل تنازلات تجارية. إنه كله عصا ولا جزرة. ومصداقية تهديده بفرض رسوم استيراد مرتفعة بشكل دائم تخضع لأهواء الأسواق المالية، وموثوقيته في الحفاظ على هذه الضرائب منخفضة بعد الصفقة مشكوك فيها للغاية.

 

في لعبة البوكر التجارية العالمية، ورث ترامب يداً ضعيفة ويلعبها بشكل سيء للغاية، بيسنت ومسؤولوه الآخرون في وضع محفوف بالمخاطر، ولا تملك الولايات المتحدة المساعدات أو التكنولوجيا أو الوصول إلى السوق لممارسة السيطرة على التجارة العالمية بالطريقة التي كانت تفعلها ذات يوم، وسلوك ترامب المتقلب يزيد بسرعة من احتمال ألا تفعل ذلك أبداً.