في خطوة تعكس طموحاتها المتسارعة للهيمنة على الفضاء، تخطط الصين لبناء محطة طاقة نووية على سطح القمر خلال العقد المقبل، هذه المبادرة تأتي استجابة لحاجة ملحة وهي تأمين مصدر طاقة موثوق ومستمر لدعم قواعد مأهولة وروبوتية مستقبلية على القمر.
لكن الدوافع لا تقتصر فقط على الإمداد بالطاقة، حيث تشير التقديرات إلى أن الصين ترى في القمر مصدرًا غنيًا بالموارد الطبيعية، وعلى رأسها الهيليوم-3، العنصر النادر الذي يُعتقد أنه يمكن أن يشغل مفاعلات الاندماج النووي مستقبلاً.
وجود محطة نووية سيدعم عمليات التعدين والاستخراج، وربما يمهد الطريق لإنشاء قاعدة دائمة على سطح القمر، تستخدم كنقطة انطلاق لبعثات أبعد نحو المريخ وأعماق الفضاء.
في خلفية هذه المساعي، يظهر سباق فضائي جديد مع الولايات المتحدة وقوى أخرى، تسعى جميعها لإحراز تقدم استراتيجي في الفضاء الخارجي، فالسيطرة على الطاقة، والموارد، والبنية التحتية على القمر قد تحدد مستقبل الهيمنة التقنية والعسكرية خلال العقود القادمة.
وأكدت الصين عزمها بناء محطة الطاقة النووية على سطح القمر بالشراكة مع روسيا، لتغذية محطة أبحاث قمرية دولية مرتقبة. الإعلان جاء خلال عرض قدمه مسؤول بارز في مؤتمر فضائي دولي عُقد بمدينة شنغهاي، بمشاركة ممثلين من 17 دولة ومنظمة عالمية.
الإعلان جاء خلال عرض قدمه مسؤول بارز في مؤتمر فضائي دولي عُقد بمدينة شنغهاي، بمشاركة ممثلين من 17 دولة ومنظمة عالمية.
وتسعى الصين، التي تطمح لتصبح قوة فضائية عالمية بحلول عام 2030، إلى إنشاء قاعدة مأهولة دائمة على القمر، تبدأ نواتها مع مهمة "تشانغ إي-8" المخطط إطلاقها في 2028.
وتستهدف هذه المهمة تطوير بنية تحتية متكاملة تشمل ألواحاً شمسية واسعة النطاق وأنظمة نقل حراري وكهربائي على سطح القمر.
من جهتها، كانت وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس" قد أعلنت سابقاً نيتها التعاون مع وكالة الفضاء الصينية (CNSA) لبناء مفاعل نووي على القمر بحلول 2035، بهدف إمداد محطة الأبحاث الدولية للطاقة. وقد أشار المسؤولون الصينيون خلال المؤتمر الأخير إلى دعمهم العلني لهذه الخطط، بعد أن كانت تُناقش سابقاً خلف الأبواب المغلقة.
وقال "وو ويران"، كبير مهندسي برنامج استكشاف القمر الصيني:"توفير الطاقة يمثل تحدياً محورياً في مشروع ILRS، وروسيا تملك ميزة واضحة في هذا المجال بفضل خبرتها المتقدمة في بناء وإطلاق المفاعلات النووية الفضائية."
ووصف التعاون مع موسكو بأنه فرصة لتحقيق "اختراق نوعي"، بعد سنوات من تعثر المحادثات في هذا المجال.
يُذكر أن هذا التحالف الفضائي بين بكين وموسكو يتزامن مع تسارع برنامج "أرتميس" الأمريكي، الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر بحلول ديسمبر 2025، مما يعكس اشتداد المنافسة الجيوسياسية على استغلال الفضاء والموارد القمرية، وفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
وبحسب تصريحات "وو"، فإن نموذجاً أولياً لمحطة الأبحاث الدولية، يتمركز في القطب الجنوبي للقمر، سيُبنى بحلول عام 2035. وتسعى الصين لإطلاق "مشروع 555"، الذي سيجمع 50 دولة، و500 مؤسسة بحثية دولية، و5,000 عالم دولي في مبادرة كبرى لتطوير البحوث الفضائية المشتركة.
التقارب الصيني الروسي في مجال الفضاء جاء على خلفية التوترات الجيوسياسية، خاصة بعد العقوبات الغربية التي حدّت من قدرة روسيا على الوصول للتكنولوجيا المتقدمة، مما دفع موسكو للارتماء في أحضان الشراكة مع بكين، التي تشهد تطوراً مذهلاً في قدراتها الفضائية.
وبينما تتصارع القوى الكبرى على القمر، يبدو أن القرن الحادي والعشرين سيشهد ولادة أول بنية تحتية نووية في الفضاء الخارجي وبتوقيع صيني روسي.