الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - أخبار العالم - تجميد المساعدات الخارجية تخريب للقوة الناعمة الأمريكية

تجميد المساعدات الخارجية تخريب للقوة الناعمة الأمريكية

الساعة 12:27 مساءً

 

 

إحدى أكثر السمات لفتاً للانتباه في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية هي رغبتها في تدمير عقود من القوة الناعمة للولايات المتحدة.

 

والمشكلة أن نهج «أمريكا أولاً» لا يكترث باكتساب الأصدقاء أو الاحتفاظ بهم، ويرى فيهم مجرد مستغلين للسخاء الأمريكي.

 

وأحد مظاهر ذلك هو التهديد بفرض تعريفات جمركية أو حتى استخدام القوة العسكرية ضد الحلفاء، لإجبارهم على قبول رغبات الإدارة الأمريكية.

 

المظهر الآخر، هو تعليق مليارات من المساعدات الخارجية الأمريكية، والهجوم على الوكالة التي تدير نحو ثلثي عمليات التمويل تلك - الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

 

وأدى ذلك إلى إدخال المبادرات التي تستهدف مساعدة الفئات الضعيفة حول العالم في حالة فوضى، والإضرار بمصالح أمريكا نفسها.

 

وقد اتخذ ترامب قراراً سريعاً بتجميد كل المساعدات الخارجية الأمريكية لنحو 90 يوماً، في انتظار مراجعة تهدف للقضاء على «الإنفاق اليساري» أو ثقافة الـ«ووك»، ومواءمة المعونات بما يتماشى مع أهدافه.

 

ومنعت أوامره الرئاسية بتجميد المساعدات لمنظمات الإغاثة، من استخدام التمويل الذي حصلت عليه بالفعل. وتوقفت بذلك مبادرات تتنوع ما بين برامج للتطعيمات ومكافحة سوء التغذية، وانتهاء بإزالة الألغام.

 

واضطرت بعض منظمات الإغاثة لتسريح واسع النطاق للعمال.

 

ولاحقاً، تم استثناء معونات الغذاء الطارئ، وخدمات «إنقاذ الحياة»، برغم أن برنامج «بيبفار» (خطة رئيس الولايات المتحدة الطارئة لمكافحة الإيدز، الذي يوفرالأدوية المضادة للفيروسات القهقرية لأكثر من 20 مليوناً من المصابين بالفيروس)، وبعض البرامج الحيوية الأخرى، ما زالت تواجه اضطرابات.

 

ثم وجه ترامب ووزيره للكفاءة الحكومية، إيلون ماسك، أنظارهما للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي أسسها جون إف كينيدي لكن يديرها حالياً «مجموعة من المتطرفين المجانين»، بحسب وصف ترامب.

 

والوكالة حالياً تنتظر عملية إعادة هيكلة أو إلغائها تماماً.

 

ويحق لأي حكومة إخضاع المساعدات للمراجعة لضمان فعاليتها.

 

ويجب أيضاً مراقبة المساعدات المقدمة إلى دول ذات مؤسسات ضعيفة إلى مراقبة صارمة.

 

وقد واجهت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فيما سبق اتهامات بعدم الكفاءة والإهدار، لكن ذلك لا يبرر إغلاقها.

 

كما أن تعليق البرامج دون تحذير مسبق ودفع الوكالة الفيدرالية الرئيسة إلى الفوضى يبدو وكأنه تخريب متعمد.

 

إن رؤية ترامب للمساعدة الخارجية الأمريكية، التي لا تمثل إلا 1% تقريباً من الإنفاق الفيدرالي، تعاني من قصر النظر.

 

وقال ماركو روبيو، وزير الخارجية الجديد: «إن كل دولار تنفقه الولايات المتحدة يجب أن يجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً وقوة وأكثر ازدهاراً».

 

برغم ذلك، فإن مكاسب المانحين للمساعدات الخارجية غالباً ما تكون غير مباشرة، أو من الصعب قياسها من الناحية المالية.

 

وإذا تم تقديم المساعدات بصورة صحيحة، فمن شأن مكافحة الفقر والأمراض وتمكين التنمية الاقتصادية أن يجعلوا العالم مكاناً أكثر أماناً وازدهاراً، ما يساعد على كبح عدم الاستقرار وتفشي الاستبداد والتطرف.

 

وهذه المساعدات تسهم في توسيع الأسواق أمام الصادرات الأمريكية، وتعزز النية الحسنة التي يمكن أن تعبد الطريق نحو أهداف دبلوماسية أكبر.

 

وبرغم أن المساعدات ليست دائماً بالفعالية التي ترغب فيها الولايات المتحدة، إذ تضعها بعض الحكومات بسعادة في جيبها وتتجاهل واشنطن.

 

إلا أن إلغاء المشروعات التي تنقذ الحياة فجأة، هو أيضاً وسيلة جيدة لإثارة ردود فعل عنيفة ضد أمريكا. وسيؤدي تقليص أكبر دولة مانحة في العالم لمساعداتها الخارجية إلى تفاقم الانسحاب المخجل الذي قامت به بعض الدول الغنية الأخرى، فقد قامت الحكومة المحافظة في بريطانيا بتقليص مساعداتها عام 2020، ودمجت وزارة التنمية في وزارة الخارجية، وهو ما كشفت هيئة الرقابة على الإنفاق العام بأنه أدى إلى تقليل قدرة المملكة المتحدة على تقديم المساعدات.

 

وتتخوف الوكالات الإنسانية من أن إدارة ترامب، التي تسحب بالفعل الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، قد تتسبب بمزيد من الأضرار عن طريق خفض تمويلها للوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة مثل برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

 

ولا يسفر ذلك كله إلا عن فتح مجال أكبر أمام الصين، التي تمكنت بمهارة من استغلال تحولها من متلقية للمساعدات في وقت ما، إلى مانحة رائدة ومقرضة لكسب قلوب وعقول العالم النامي.

 

وبينما ينخرط ترامب وداعميه من المليارديرات في حملة تطهير تهدف إلى فرض أولوياتهم على الدولة الفيدرالية الأمريكية، يقع ملايين من غير الأمريكيين ضحايا لهذه المعركة.