تحظى تصريحات معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس دولة الإمارات باهتمام نخبوي وجماهيري كبير يعكس إلى أي مدى استطاع معاليه برؤيته الأكاديمية تحويل مفاهيم السياسة والدبلوماسية الشائكة والمعقدة إلى مفردات واضحة ومباشرة يخاطب بها الجماهير وتعكس نهج الإمارات تجاه مستجدات الأوضاع في المنطقة والعالم.
دبلوماسية التهدئة والسلام
في ستينيات القرن الماضي وخلال أجواء التوترات العالمية ومواجهات القوى الكبرى ظهر أسطورة الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر«27 مايو 1923 – 29 نوفمبر 2023» الذي سعى إلى تقريب وجهات النظر وإحلال السلام في العالم مستخدماً قدرته الفائقة على التفاوض، ومثلما خرج كيسنجر من أروقة الجامعات حيث حصل على الدكتوراه من هارفارد إلى ميدان الدبلوماسية محققاً إنجازات استثنائية شخصية ووطنية ، تحولت مسيرة الدكتور أنور قرقاش من التدريس الأكاديمي إلى العمل الدبلوماسي.
في الأعوام 1981 و1984 تخرج معاليه بدرجتي البكالوريوس والماجستير في تخصص العلوم السياسية من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية ثم حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من كامبريدج بالمملكة المتحدة عام 1990، وخلال الأعوام من 1990 إلى 1995 عمل بتدريس مواد حكومة وسياسة دولة الإمارات ونظم المقارنة والقضايا المتعلقة بأمن الخليج، وله مساهمات في المؤتمرات والدراسات المنشورة حول هذه القضايا.
تطوير أنظمة العمل السياسي
كان عام 2006 محورياً في مسيرة الدكتور أنور قرقاش حيث شارك بناء على رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة في تعزيز البنية البرلمانية للدولة فيما يتعلق بتطوير أنظمة العمل السياسي بعد انضمامه إلى الحكومة الاتحادية وزيراً للدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، وفي فبراير 2008 تم تعيينه وزيراً للدولة للشؤون الخارجية ووزيراً للدولة لشؤون المجلس الوطني، واستطاع أن يترك بصمات واضحة في الملفات التي تولاها ، وتوجت المسيرة الحافلة للدكتور أنور قرقاش، بتعيينه مستشاراً دبلوماسياً لصاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، في فبراير 2021.
يسعى الدكتور أنور قرقاش عبر تصريحاته وتغريداته على منصات التواصل الاجتماعي إلى وحدة الصف العربي وتعزيز السلام ونبذ العنف والكراهية ، وهو ما أكسب آراءه ثقلاً كبيراً في المحافل الدولية ولدى وسائل الإعلام العالمية التي تنقل عنه مواقف الإمارات من الأوضاع المعقدة والمتشابكة في الشرق الأوسط والعالم أجمع.
الحكمة والحوار للخروج من الفوضى
صباح يوم 8 ديسمبر الجاري ومع إعلان سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا ، بات الوضع مضطرباً والرؤية ضبابية وفي هذه الأوقات يتحفظ الجميع ، لكن تصريحات معالي الدكتور أنور قرقاش خلال مشاركته في النسخة العشرين من حوار المنامة كانت واضحة وصريحة حيث أكد أن هناك تغييرات جيوسياسية إقليمية هائلة تستدعي التمعن والحكمة والحوار للخروج من دائرة الفوضى والعنف وحضّ قرقاش السوريين على التعاون لتجنّب حصول "فوضى"، مؤكداً أن قيادة مستقبل سوريا يجب أن تكون بيد السوريين.
وشدد في تصريحاته التي نقلتها وسائل الإعلام على أن الأدوار الدفاعية والعسكرية ينبغي ألا تكون تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وعدم السماح للأطراف غير الحكومية باستغلال الفراغ السياسي، وقال:«نأمل في أن يعمل السوريون معا لكيلا نشهد حلقة أخرى من الفوضى، وعلينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث في سوريا بعد ذلك، الحل هو دولة يمكن الوثوق بها»، لافتاً إلى أن مصدر الخوف الرئيسي هو سلامة أراضي سوريا التي لا تزال تحت التهديد.
غزة ولبنان والسودان
وسخر معالي الدكتور أنور قرقاش جهوده منذ اندلاع الحرب في غزة إلى الدفاع عن الأشقاء والمطالبة بدعمهم ومساندتهم والوقف الفوري للحرب التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء متجاهلاً المزايدات ، حيث قال :«بعيداً عن عبث التصريحات والمزايدات، الإمارات تتصدر الدول الأكثر دعماً لسكان غزة، مرتكزة إلى نهجها الإنساني وموقف قيادتها التاريخيّ والمتواصل في مساندة الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه المشروعة.. مستمرون بالأفعال في عون الأشقاء عبر مبادرات نوعية للتخفيف من آثار الكارثة الإنسانية في غزة».
وعن وقف إطلاق النار في لبنان قال معاليه:«يمثل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان تطوراً إيجابياً على المستوى الإنساني والسياسي في منطقة محتقنة لا تتحمل المزيد من الحروب و العنف..آن الأوان لاستعادة الهدوء و الاستقرار الإقليمي والوصول لتسوية تنهي الحرب والمعاناة في غزة».
وانتقد الدكتور أنور قرقاش إخفاق مجلس الأمن في تبني مشروع قرار يطالب بالوقف الفوري للأعمال العدائية وحماية المدنيين في السودان الشقيق، مشيراً إلى أن الإخفاق الأممي يمثل ضياع فرصة ثمينة لحقن الدماء في حرب لا يمكن لأي طرف أن يربحها، مشدداً على أن أولوية المعالجة يجب أن تكون للكارثة الإنسانية في السودان وليس الحسابات السياسية أو الميدانية الضيقة.
وأكد معاليه أن المنطقة بعد أكثر من عام على المواجهات العسكرية وتداعياتها الانسانية والسياسية المؤسفة، بحاجة إلى مسار مختلف يغلب العمل الدبلوماسي والحلول السياسية ويدفع باتجاه خفض التصعيد والمواجهات لصالح قنوات التواصل والحوار، والتعامل مع الثمن الانساني والتنموي الباهظ للحروب.
يحمل الدكتور أنور قرقاش تفاصيل الرؤية الإماراتية ليس في العمل الدبلوماسي فقط بل في الاقتصاد والابتكار أيضاً ، حيث قال خلال مشاركته في فعاليات النسخة الحادية عشرة من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي إن رؤية دولة الإمارات ترتكز على جعل الدولة مركزاً عالمياً للاستثمارات والابتكار الاقتصادي، ويشمل ذلك تشجيع نظام شامل حاضن لريادة الأعمال، وإنشاء مختبرات متقدمة للفرص الاقتصادية الناشئة، كما تركز استراتيجياتنا على التنوع المدعوم بالتقدم العلمي والتكنولوجي، مشيراً إلى أهمية القيادة القوية والمتمكنة والقادرة، وخاصة عبر العمل المشترك مع الشركاء الدوليين الرئيسيين والعمل معاً نحو مستقبل تكون فيه «الكرامة الإنسانية» والسلامة لجميع الأفراد في طليعة أولويات صنع القرار السياسي والدبلوماسي.
ريادة في مؤشر القوة الناعمة
تبوأت دولة الإمارات المرتبة الأولى إقليمياً والـ 10 عالمياً في مؤشر القوة الناعمة لعام 2024 وحصلت على المرتبة الـ 8 عالمياً في التأثير في الدوائر الدبلوماسية الدولية تأكيداً على الدور المحوري الذي تلعبه الدولة، في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والإسهام في صياغة أجندة التنمية المستدامة عالمياً ، وهو الدور الذي يستند على رؤية القيادة الرشيدة حيث يقود الملف الدبلوماسي فارس الدبلوماسية الإماراتية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، ويشارك فيه معالي الدكتور أنور قرقاش بجهوده وخبراته.