بعد ساعات من إعلان دونالد ترامب انتصاره في الولايات المتحدة، بدأت وسائل الإعلام اليابانية تستخدم مصطلح «ماتاتورا» الذي يعدّ المدخل الثالث المتعلق بترامب في القاموس الياباني، على خلفية القلق من عودته.
كانت الكلمة الأولى في التسلسل موشيتورا (ماذا لو كان ترامب؟) بدأت تشيع خلال الأشهر الأخيرة من عام 2023 وأثارت نبرة من التوتر في الخلفية بالدوائر الحكومية والشركات والسوق. ثم جاءت الكلمة الثانية، هوبوتورا (على الأرجح ترامب)، ليتم استخدامها على نطاق واسع هذا العام، مع مزيد من القلق حول الجغرافيا السياسية والتضخم ومخاطر التجارة. ثم كانت الكلمة الثالثة ماتاتورا وتعني (ترامب عاد).
بالنسبة للبعض، أطلقت الكلمة زفيراً وحجة مفادها أنه - في حال غياب التورط في صراع إقليمي أو أي كارثة غير متوقعة أخرى - قد تكون اليابان في وضع أفضل من أي سوق متقدمة أخرى خارج الولايات المتحدة للازدهار على مدى السنوات القليلة المقبلة.
ويقول نيل نيومان، وهو استراتيجي يغطي شؤون اليابان منذ ثمانينيات القرن العشرين، إن أسهم طوكيو نادراً ما تكون جاهزة للاشتعال. ويشير إلى أن الشلل السياسي الناجم عن الانتخابات العامة الفوضوية في اليابان الشهر الماضي، والضمانات غير المعلنة بعدم تبني سياسات سيئة، من شأنه أن يجعل السوق أكثر جاذبية للصناديق العالمية الكبرى.
إنها بالفعل حجة مغرية، مع إضافة بريق إضافي من خلال التحركات المتقلبة للسوق في طوكيو والتي رافقت أخبار فوز ترامب: مكاسب للمصدرين (على افتراض ضعف الين)، وأسهم صناعة الدفاع (مع توقع مطالبة ترامب حلفاءه بإنفاق المزيد على جيوشهم)، والبنوك (سيرتفع التضخم وكذلك أسعار الفائدة) والشركات التي من المتوقع أن تستفيد من إعادة توطين صناعة أشباه الموصلات اليابانية (والتي ربما تتسارع أثناء وجود ترامب في السلطة).
كما يرى نيكولاس سميث، الاستراتيجي في سي إل إس أيه، احتمالية تعزيز الأداء في اليابان لمدة ستة أشهر مع ارتفاع الروح المعنوية للقطاع المالي، خاصة أنه من المتوقع الآن أن يتحسن الإنفاق الرأسمالي العالمي بسرعة، والذي كان قد تجمد في الفترة التي سبقت الانتخابات الأمريكية، بسرعة، مما يمكن أن يصب في صالح اليابان.
وهناك حجة أطول أمداً لصالح الأسهم اليابانية في عهد ترامب تعتمد على خطين رئيسيين من المنطق. الأول هو أن خسائر شنغهاي وهونج كونج ستكون مكاسب لطوكيو، إذ لم تكن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في عهد إدارة بايدن جيدة، وهناك أسباب لتوقع تدهورها في عهد ترامب.
فقد تعرضت صناديق التقاعد الأمريكية بالفعل لضغوط لوقف أو سحب الاستثمارات، في حين صمت الحديث حول الصفقات القائمة في الصين بقيادة شركات الأسهم الخاصة الأمريكية. وربما عادت بعض أموال التقاعد الأمريكية إلى هونج كونج والصين في الأشهر الأخيرة، ولكن هذا قد ينعكس بسرعة في عهد ترامب. والأمر الحاسم هنا هو أن التدفقات قد تتحول إلى اليابان بشكل افتراضي باعتبارها السوق المتقدمة الوحيدة في آسيا التي تتمتع بالسعة والعمق اللازمين لاستيعابها.
الحجة الثانية هي أن انحدار اليابان مؤخراً إلى حالة من الركود السياسي ــ مع عدم تمكن الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم وزعيمه شيجيرو إيشيبا بعد من تشكيل حكومة عاملة ــ لا يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لسوق الأسهم، وذلك مرده إلى أن إيشيبا وحزبه أضعف من أن يتمكنوا من زعزعة زخم الاقتصاد، أو إضعاف التقدم المحرز في مجال إصلاح حوكمة الشركات وإعادة الهيكلة التي تجذب المستثمرين الأجانب بقوة.
من الواضح كذلك أن هناك حججاً قوية مضادة لكل ذلك، ليس أقلها فرصة ارتباط إدارة ترامب بمستويات مرتفعة من عدم اليقين الجيوسياسي لدرجة أن المستثمرين قد يتراجعون إلى أنماط التداول التي تهرب من المخاطر وتميل إلى تقليل التعرض لليابان.
ورغم أن اليابان قد تكون مهيأة بالفعل للنمو العالمي، فإن جزءاً كبيراً من ذلك هو التعرض للصين. وحتى إذا تمكنت الشركات اليابانية من شق طريقها عبر التعريفات الجمركية الأعلى والخطاب المكثف لواشنطن بشأن ضرورة انتقاء جانب واحد، فقد تكون الصين نفسها أقل مكافأة بكثير مما كانت عليه في الماضي.
على الصعيد السياسي، قد تكون المخاطر المحيطة بمقامرة إيشيبا على الانتخابات العامة أعظم بكثير مما يفترضه نيل نيومان وغيره من المتفائلين. والثمن الذي يمكن دفعه سيكون مرتفعاً لأن ضعف رئيس الوزراء سيحول دون القدرة على توصيل أهمية اليابان لترامب، أو تقديم نفسه على أنه من المرجح أن يظل موجوداً لفترة كافية ليكون جديراً باهتمام ترامب.
ومنذ أوائل عام 2024، عندما تجاوز متوسط مؤشر نيكاي 225 أخيراً الرقم القياسي المسجل في عام 1989، كان شعار السماسرة هو أن اليابان عادت.
وقد جاءت سلسلة من صناديق الاستثمار الطويلة الأجل الأمريكية والأوروبية الكبيرة إلى طوكيو للتأكد من أن هذا الخطاب صحيح. ويبدو أن عدداً متزايداً قد عاد مقتنعاً بذلك لكن دون مستويات الراحة اللازمة لإعادة توجيه مخصصات كبيرة حقاً لليابان.
لقد كانوا في كل الأحوال متوقفين عن نشاط حتى بعد الانتخابات الأمريكية. لكن قد يؤدي شعار عودة ترامب إلى بقاء اليابان في الخلف. بل قد يعيد اليابان أيضاً إلى الوراء كثيراً.