تواجه حركة التجارة العالمية العديد من المخاطر والتهديدات بسبب التوترات العسكرية والسياسية، وقبلها بسبب أزمة سلاسل الإمداد التي أثرت في العديد من الأسواق والدول في أعقاب وباء "كورونا"، إلا أن التوترات الجيوسياسية الساخنة في العالم تحمل معها مزيداً من المخاطر الجديدة التي قد تؤدي الى مزيد من التهديد لحركة التجارة.
وبحسب تقرير مطول نشرته جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية، واطلعت عليه "العربية Business"، فإن التهديد الجديد الذي يواجه التجارة العالمية هو الأزمة التي تلوح في الأفق أو الأزمة المحتملة في مضيق تايوان، وهو المضيق الذي سيعني تعطل الحركة فيه أن خُمس التجارة العالمية (20% من حركة البضائع في العالم) سوف تتعرقل وتتعطل، الأمر الذي سيُسبب أزمة اقتصادية وتجارية عالمية.
ويُعتبر مضيق تايوان أحد أهم الممرات المائية في العالم، وهو شريط مائي يبلغ عرضه 100 ميل بين تايوان والبر الرئيسي للصين، حيث أصبح ممراً ملاحياً بالغ الأهمية للدول في جميع أنحاء العالم.
وقد وجدت أبحاث جديدة من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن المضيق هو ممر لأكثر من خُمس التجارة البحرية في العالم، حيث مرت عبر القناة 2.45 تريليون دولار من الطاقة والإلكترونيات والمعادن والسلع الأخرى في عام 2022.
وتُعد هذه الأرقام بالغة الأهمية نظراً لأن المضيق يقع في قلب نزاع جيوسياسي بين تايوان والصين، التي تنظر إلى الجزيرة كجزء من أراضيها. ويقول الباحثون إن الحصار أو العمل العسكري من جانب الصين في حال أوقف حركة المرور في المضيق فقد يكون له آثار دراماتيكية على التدفق العالمي للسلع، والاقتصاد الصيني على وجه الخصوص.
ويقول تقرير "نيويورك تايمز" إن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، فضلاً عن عمليات الإغلاق في عصر الوباء، أدت إلى إعادة ترتيب أنماط التجارة العالمية وتنبيه المستهلكين إلى فكرة أن الاضطرابات في جزء من العالم يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي في جزء آخر.
وفي تقرير صدر يوم الخميس الماضي قالت منظمة التجارة العالمية إن وتيرة التجارة العالمية كانت في ارتفاع، لكن التوترات الجيوسياسية المتزايدة وعدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية قد تجرها إلى الأسفل.
وقالت المنظمة إن الصراع المتوسع في الشرق الأوسط، وهو المركز العالمي لإنتاج النفط، قد يؤدي على وجه الخصوص إلى تشابك ممرات الشحن ورفع أسعار النفط. وقد يجعل ذلك من الصعب والأكثر تكلفة على الناس في جميع أنحاء العالم استيراد الطاقة والغذاء والمنتجات الأخرى التي يعتمدون عليها.
وأضافت المنظمة، التي تتخذ من جنيف مقراً لها، إنها تتوقع زيادة تجارة السلع العالمية بنسبة 2.7% في عام 2024، بارتفاع طفيف عن توقعاتها السابقة، و3% في عام 2025. ويأتي هذا النمو بعد انكماش في عام 2023، عندما انخفضت التجارة العالمية بنسبة 1.1% وسط ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
وقالت المنظمة إنها لاحظت علامات على انقسام التجارة العالمية على أسس سياسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث نمت التجارة بين الدول التي تتبنى وجهات نظر سياسية مماثلة بنسبة 4% أسرع من التجارة بين الدول ذات وجهات النظر المختلفة.
وقالت نجوزي أوكونغو إيويالا، المديرة العامة للمجموعة، إن المنظمة تظل يقظة بشأن الانتكاسات المحتملة للتجارة، "وخاصة التصعيد المحتمل للصراعات الإقليمية مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط". وأضافت أن التأثير قد يكون أشد وطأة على البلدان المعنية بشكل مباشر، ولكنها قد تؤثر أيضاً بشكل غير مباشر على تكاليف الطاقة العالمية وطرق الشحن.
وتشير تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن مضيق تايوان يستضيف نسبة أكبر من التجارة العالمية من أي من القنوات المائية الأخرى. وقال ماثيو ب. فونايولي، وهو زميل في مشروع الطاقة الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والذي عمل على دراسة مضيق تايوان، إن التوترات في المنطقة "قضية عالمية".
وقال إن أي حادث حول تايوان، مثل الغزو أو الحصار، "من شأنه أن يعطل بشكل أساسي الحالة العادية للتجارة، وسيكون لذلك عواقب اقتصادية كبيرة على مجموعة متنوعة من البلدان".
ويقول الباحثون إن الاقتصاد الأكثر تعرضاً للاضطرابات في مضيق تايوان هو اقتصاد الصين، التي ترسل 1.3 تريليون دولار من التجارة عبر القناة سنوياً. كما أن الجزء الأكبر من هذه الشحنات هو واردات صينية من البترول والمعادن وخام الحديد والمواد الخام الأخرى، بالإضافة إلى المكونات الإلكترونية، التي تغذي محطات الطاقة والمصانع الصينية.
وبحسب حسابات الباحثين فإن المضيق كان ممراً لنحو ثلث الواردات اليابانية والكورية، ونحو ربع صادراتهما. كما يمر ما يقرب من 27% من صادرات أستراليا عبر المضيق، ومعظمها سلع مثل خام الحديد والفحم والغاز الطبيعي المسال.
ومن بين الدول الخمس الأكثر اعتماداً على مضيق تايوان في حركة التجارة، توجد أربع دول في أفريقيا، حيث ترسل جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها نحو 70% من إجمالي صادراتها، وخاصة النحاس والكوبالت والمعادن الأخرى، عبر المضيق. كما ترسل العديد من دول الشرق الأوسط أكثر من 30% من صادراتها عبر المضيق.