في ليلة ربيعية دافئة بأثينا وقبل منتصف الليل بقليل، لاحظ مسؤول تنفيذي كبير في شركة شحن يونانية وصول رسالة بريد إلكتروني مريبة لصندوق الوارد الخاص به.
وحذرت الرسالة التي أُرسلت أيضاً إلى المدير عبر البريد الإلكتروني للشركة، من أن إحدى سفن الشحن التابعة للشركة والتي تمر عبر البحر الأحمر أضحت عرضة لخطر هجوم من جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران.
وجاء في الرسالة المكتوبة باللغة الإنجليزية والتي اطّلعت عليها وكالة "رويترز" أن السفينة التي تديرها الشركة اليونانية انتهكت حظر مرور يفرضه الحوثيون بالرسو في ميناء إسرائيلي، وأن "القوات المسلحة اليمنية"، والمقصود هنا الحوثيون، "سوف تستهدفها بشكل مباشر في أي منطقة تحددها".
وجاء أيضاً في الرسالة التي وقّعها "مركز تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن"، وهو مركز جرى إنشاؤه في فبراير للتنسيق بين الحوثيين والجهات المشغلة للسفن التجارية، "أنتم تتحملون المسؤولية والعواقب المترتبة على إدراج السفينة في قائمة الحظر".
وشن الحوثيون نحو 100 هجوم على سفن تعبر البحر الأحمر منذ نوفمبر، إثر اندلاع الحرب في غزة. وتسببت هجماتهم في إغراق سفينتين والاستيلاء على ثالثة ومقتل أربعة بحارة على الأقل.
وحذرت الرسالة التي وردت في نهاية مايو من فرض "عقوبات" على أسطول الشركة كاملاً حال استمرار السفينة في "انتهاك معايير الحظر ودخول موانئ الكيان الإسرائيلي المحتل"، حسب ما جاء في نصها.
وأحجم المسؤول التنفيذي عن كشف هويته وكذلك اسم الشركة لأسباب أمنية.
وكانت رسالة التحذير هذه هي الأولى بين أكثر من 12 رسالة تهديد أخرى جرى إرسالها إلى ما لا يقل عن ست شركات شحن يونانية منذ مايو وسط تصاعد للتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بحسب ما ذكرته ستة مصادر في قطاع الشحن مطلعة على الرسائل بشكل مباشر/ ومصدران مطلعان بشكل غير مباشر.
ومنذ العام الماضي، يطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيرة وقوارب محملة بمتفجرات على السفن التجارية التي على صلة بكيانات إسرائيلية وأميركية وبريطانية.
وتشير حملة رسائل البريد الإلكتروني، التي لم ترد أنباء بشأنها من قبل، إلى أن المسلحين الحوثيين يوسعون شبكتهم ويستهدفون سفناً تجارية يونانية ليست على صلة تُذكر بإسرائيل أو لا تربطها بها أي صلة على الإطلاق.
وفي الأشهر القليلة الماضية، وُجهت التهديدات لأول مرة إلى أساطيل بأكملها، مما زاد من المخاطر التي تتعرض لها السفن التي تحاول عبور البحر الأحمر.
وجاء في رسالة بريد إلكتروني منفصلة في يونيو أرسلها موقع إلكتروني يمني إلى الشركة المذكورة أعلاه بعد أسابيع وإلى شركة يونانية أخرى رفضت أيضاً كشف اسمها "خرقت سفنكم قرار القوات المسلحة اليمنية، لذلك سيتم فرض عقوبات على جميع سفن شركتكم".
ويعاني اليمن، الذي يقع عند مدخل البحر الأحمر، من حرب أهلية منذ سنوات. وفي عام 2014، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، وأطاحوا بالحكومة المعترف بها دوليا. وفي يناير، أعادت الولايات المتحدة إدراج الحوثيين على قائمتها للجماعات الإرهابية.
وأحجم مسؤولون حوثيون عن تأكيد إرسالهم رسائل البريد الإلكتروني أو تقديم أي تعقيب إضافي عندما اتصلت بهم "رويترز" قائلين إن هذه معلومات عسكرية سرية. ولم تتمكن "رويترز" من تحديد ما إذا كانت الرسائل قد أُرسلت إلى شركات شحن أجنبية أخرى.
وذكرت بيانات صادرة عن لويدز ليست إنتليجنس، أن نحو 30% من هجمات الحوثيين حتى أوائل سبتمبر كانت على سفن مملوكة لشركات يونانية، وهي تمثل أحد أكبر الأساطيل في العالم، دون تحديد ما إذا كان لهذه السفن صلة بإسرائيل.
وفي أغسطس، هاجمت جماعة الحوثي الناقلة سونيون وتركتها مشتعلة لأسابيع قبل أن يتم قطرها إلى منطقة أكثر أماناً.
ودفعت الهجمات العديد من سفن الشحن إلى اتخاذ مسار أطول بكثير عبر رأس الرجاء الصالح.
وأظهرت بيانات لويدز ليست إنتليجنس أن حركة المرور عبر قناة السويس انخفضت من نحو ألفي سفينة شهرياً قبل نوفمبر 2023 إلى نحو 800 سفينة فقط في أغسطس 2024.
وبلغت التوترات في الشرق الأوسط ذروة جديدة يوم الثلاثاء عندما شنت إيران هجوماً على إسرائيل بأكثر من 180 صاروخاً رداً على مقتل بعض قياديي جماعة حزب الله في لبنان، وعلى رأسهم أمينها العام حسن نصر الله.
مرحلة جديدة
هذا وأفادت وثيقة راجعتها "رويترز" بأن مهمة الاتحاد الأوروبي البحرية في البحر الأحمر (أسبيدس) أكدت، خلال اجتماع مغلق مع شركات شحن في أوائل سبتمبر، تطور تكتيكات الحوثيين. وساعدت أسبيدس أكثر من 200 سفينة على الإبحار بأمان عبر البحر الأحمر.
وقالت أسبيدس في الوثيقة التي شاركتها مع شركات الشحن إن قرار الحوثيين إرسال تحذيرات إلى أساطيل بأكملها يمثل بداية "المرحلة الرابعة" من حملتهم العسكرية في البحر الأحمر.
وحثت أسبيدس أيضاً ملاك السفن على إغلاق أجهزة نظام تحديد الهوية الآلي التي تظهر موقع السفينة وتقدم مساعدة ملاحية للسفن القريبة، قائلةً إن عليهم إغلاقها أو المخاطرة بالتعرض للنيران.
وذكرت أسبيدس أن نسبة دقة هجمات الحوثيين الصاروخية بلغت 75% حينما استهدفوا سفناً تشغل نظام تحديد الهوية الآلي. وورد في الإفادة نفسها أن 96% من الهجمات لم تصب أهدافها حينما كان نظام تحديد الهوية الآلي مغلقاً.
وبدأت حملة الرسائل الإلكترونية من الحوثيين في فبراير بتوجيه رسائل إلى ملاك السفن وشركات الشحن ونقابة البحارة الرئيسية من "مركز تنسيق العمليات الإنسانية" التابع للحوثيين.
وحذرت هذه الرسائل الإلكترونية، التي اطّلعت "رويترز" على اثنتين منها، قطاع الشحن من فرض الحوثيين حظراً على سفن بعينها من عبور البحر الأحمر، إلا أنها لم تحذر الشركات بشكل صريح من هجوم وشيك. واحتوت الرسائل المرسلة بعد مايو على تهديدات أكبر.
وقال مصدران مطلعان لـ"رويترز" إن شركتي شحن على الأقل تشغلهما اليونان تسلمتا تهديدات عبر البريد الإلكتروني وقررتا إنهاء المرور عبر البحر الأحمر، وطلب المصدران عدم تحديد هوية الشركتين لدواع أمنية.
وقال مسؤول تنفيذي في شركة شحن ثالثة تلقت رسالة أيضاً إنهم قرروا إنهاء الأعمال مع إسرائيل لتتمكن سفنهم من مواصلة العبور من البحر الأحمر.
وقال ستيفن كوتون الأمين العام للاتحاد الدولي لعمال النقل: "إذا لم يتسن ضمان العبور الآمن للبحر الأحمر، فإن على الشركات التحرك، حتى وإن كان ذلك يعني تأجيل مواعيد التسليم.. تعتمد حياة البحارة على ذلك". والاتحاد هو النقابة الرئيسية للبحارة التي تلقت رسالة بالبريد الإلكتروني من "مركز تنسيق العمليات الإنسانية".
وقالت المصادر لـ"رويترز" إن حملة البريد الإلكتروني تزيد القلق بين شركات الشحن، وإن تكاليف التأمين التي يتحملها ملاك السفن الغربيون قفزت بالفعل بسبب هجمات الحوثيين، وعلقت بعض شركات التأمين التغطية بشكل كلي.
وأوقفت شركة "كونبالك" لتشغيل السفن ومقرها اليونان عبور رحلات من البحر الأحمر بعدما تعرضت سفينتها "إم في جروتون" للهجوم مرتين في أغسطس.
وقال ديميتريس دالاكوراس، الرئيس التنفيذي لـ"كونبالك"، خلال مؤتمر "كابيتال لينك" للشحن في لندن في العاشر من سبتمبر: "لا تمر أي سفينة (من كونبالك) عبر البحر الأحمر. يتعلق الأمر بشكل رئيسي بسلامة الطواقم. بمجرد تعرض الطاقم للخطر تتوقف جميع المناقشات".
من جهته قال توربين كولن المدير الإداري لمجموعة شحن الحاويات "ليونهارت اند بلومبيرج"، ومقرها ألمانيا، إن البحر الأحمر وخليج عدن منطقة "محظورة" على أسطولهم.
وتواصل بعض الشركات عبور البحر الأحمر بسبب اتفاقيات ملزمة طويلة الأجل مع المستأجرين أو بسبب احتياجها إلى نقل البضائع في تلك المنطقة بالتحديد.
ولا يزال البحر الأحمر أسرع طريق لنقل البضائع إلى المستهلكين في أوروبا وآسيا.
ولم يوقف الحوثيون حركة السفن كلياً، وتستطيع أغلبية السفن المملوكة لصينيين وروس الإبحار بلا عوائق وبتكاليف تأمين أقل. ولا يعد الحوثيون السفن المملوكة لصينيين وروس ذات صلة بإسرائيل.
وورد في تسجيل صوتي لرسالة بثها الحوثيون لسفن في البحر الأحمر في سبتمبر وجرت مشاركتها مع "رويترز": "نؤكد للسفن التابعة لشركات لا صلة لها بالعدو الإسرائيلي أنها آمنة ولها حرية (التحرك) وإبقاء أجهزة نظام تحديد الهوية الآلي مفتوحا طوال الوقت". وأضافوا "نشكركم على تعاونكم. انتهى".