في خلال أيام قليلة سلم يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، رسالتين، واحدة إلى أمين عام حزب الله حسن نصرالله وأخرى إلى الحوثيين، شاكرا مساندتهما لحماس في حربها ضد إسرائيل، ومهنئاً على "الإنجازات" التي تحققت.
كما أكد أن الحركة مستعدة لحرب استزاف طويلة.
لكن بعيداً عن استعداد حماس لحرب طويلة، على عكس العديد من أهالي غزة الذين هجروا من منازلهم منذ 11 شهرا، وأصبحوا يبيتون في خيام غير مؤهلة لشتاء قادم، فضلا عن مقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، يبقى السؤال كيف يوصل زعيم الحركة الفلسطينية، الذي يعتقد أنه مازال مختبئاً في أحد الأنفاق بغزة، رسائله هذه؟
رسل ورموز وملاحظات مكتوبة
يبدو أن الرجل بدأ منذ اغتيال صالح العاروري، مؤسس الجناح العسكري لحماس في بيروت قبل أشهر، يستخدم نظامًا معقدًا يجمع بين سلسلة من الرسل والرموز والملاحظات المكتوبة بخط اليد.
كما تجنب إلى حد كبير إجراء أي مكالمة هاتفية أو بعث رسائل نصية يمكن لإسرائيل تعقبها.
فقد كشف بعض الوسطاء العرب الذين انخرطوا على مدى أشهر في جولات من محادثات وقف إطلاق النار في غزة، أن "السنوار عادة ما يرسل رسالة مكتوبة بخط اليد، يتم تمريرها أولاً إلى عضو موثوق به في حماس، ثم ينقلها عبر سلسلة من الرسل، قد يكون بعضهم مدنيين"، حسب زعمهم.
كما أوضحوا أن تلك الرسائل غالبًا ما تكون مشفرة، برموز مختلفة لمستلمين مختلفين وظروف وأوقات مختلفة، بناءً على نظام طوره السنوار وسجناء آخرون أثناء وجودهم في السجون الإسرائيلية.
إلى ذلك، أشاروا إلى أن الرسالة قد تصل بعد ذلك إلى وسيط عربي دخل غزة، أو إلى أحد عناصر حماس الآخرين الذين يستخدمون الهاتف أو طريقة أخرى لإرسالها إلى أعضاء الحركة في الخارج، حسب ما نقلت "وول ستريت جورنال".
وفي السياق، قال مايكل ميلشتاين، رئيس الشؤون الفلسطينية السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، "أنا متأكد تمامًا من أن هذا أحد الأسباب البارزة التي منعت الجيش الإسرائيلي من العثور عليه حتى الآن".
علماً أن الاستخبارات الإسرائيلية تمتلك أكثر الوسائل تطوراً في العالم لاعتراض الاتصالات الإلكترونية، التي غالبًا ما تسمى استخبارات الإشارات.
يذكر أنه بعد اغتيال العاروري، حصر السنوار تواصله بشكل كامل بالرسائل والملاحظات والتوجيهات المكتوبة أوالتواصل الشفهي المباشر، وأحيانا بالتسجيلات الصوتية التي توزع من قبل دائرة صغيرة من المساعدين. لاسيما أن اغتيال العاروري لحقه اغتيالات لقيادات كبرى سواء في حماس أو حزب الله، من بينها القائد العسكري للحركة محمد الضيف الذي أكدت إسرائيل مقتله في يوليو الماضي، فضلا عن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية نهاية يوليو الماضي أيضا، والقيدي في حزب الله فؤاد شكر.
خاصة أن شكر كان قد تلقى مكالمة قبيل اغتياله في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت ليل 30 يوليو، من شخص يرجح أن يكون قد اخترق شبكة الاتصالات الداخلية لحزب الله.
خلية "السواعد"
إذ بعد كل تلك الاغتيالات، عاد السنوار إلى استعمال نظام بدائي، كان وضعه عندما اعتُقِل عام 1988، وفق ما رجح خبراء في مجموعة الأزمات الدولية.
فقد أوضح عزمي كيشاوي، الباحث في تلك المجموعة السنوار أسس قبل اعتقاله من قبل إسرائيل شرطة الأمن الداخلي لحماس، التي تسمى" مجد"، والتي طاردت المتعاونين المشتبه بهم وكانت نشطة في السجون الإسرائيلية، عبر أساليب بدائية ورسائل شفهية أو مكتوبة".
إذ جندت تلك الوحدة عملاء داخل السجن يُطلق عليهم تسمية "السواعد" الذين كانوا يوزعون الرسائل المشفرة من قسم إلى آخر، وفق ما كشفه سابقا كتاب "ابن حماس" الذي كتبه عنصر سابق في حماس تحول إلى جاسوس إسرائيلي.
فقد كان عناصر "السواعد"، يلفون الرسائل المكتوبة بخط اليد في خبز أبيض، يلفونه على شكل كرات، ثم يضعوها لتجف وتتصلب.
ثم بعدها كانوا يرمون تلك الكرات من قسم إلى آخر في السجن.
لكن رغم تلك الاحتياطات والأساليب البدائية، لا شك أن المخاطر لا تزال كبيرة، فأي خطأ قد يكلف السنوار حياته، حسب ما رأى توماس ويثينجتون، الخبير في الحرب الإلكترونية وزميل الأبحاث في معهد الخدمات المتحدة الملكي في لندن. إذ أكد أنه "على الرغم من حرص زعيم حماس الشديد، إلا أن خطأ واحدا سيكون بمثابة توقيع حكم إعدامه".