لا تكاد تمضي فترة زمنية قصيرة حتى تعلن السلطات الأمنية في السعودية إحباط محاولات جديدة لتهريب كميات مخدرات متفاوتة الحجم والنوع إلى البلاد، آخرها ضبط نحو 6،627،167 ملايين حبة كبتاجون، فضلاً عن كميات متعددة من مادتي الشبو والكوكايين.
وتصمم السعودية خططاً أمنية استباقية لمكافحة المخدرات وضبط مهربيها ومروجيها، من أجل مواجهة هذه الآفة، والتصدي لأخطارها، ومكافحة سبل إدمانها، إذ تعد قضية أمنية ذات أولوية لدى السلطات المعنية، خاصة في الوقت الذي بدا لافتاً استهداف البلاد بهذه المواد المخدرة المسببة للعديد من الجرائم الجنائية والمالية والانحرافات الفكرية.
يقول الدكتور سليمان اللحيدان، مدير إدارة الدراسات والمعلومات في أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات لـ "العربية.نت" إن مادتي الحشيش والكبتاغون هما أكثر أنواع المخدرات انتشاراً في السعودية من حيث التعاطي، ويتزايد ارتفاع عدد متعاطيها بصفة مستمرة، في المقابل يتعاطى البعض مواد مخدرة أخرى على غرار: الشبو، والكوكايين، والهيروين، إنما بنسب أقل.
الدكتور سليمان اللحيدان - مدير إدارة الدراسات والمعلومات في أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات
وفي إطار تقييم واقع أكثر المواد المخدرة انتشاراً في البلاد، يرى بأن السنوات الماضية بدا لافتاً تعاطي المدمنين لما يعرف بالأدوية المقيدة مثل "الترامادول، والزاناكس، والليركا" – مشيراً إلى أنها تؤدي إلى الإدمان والاضطرابات النفسية في حال استخدامها دون وصفة طبية، فضلاً عن مواد مخدرة مصنعة مثل "جي إتش بي" و" السي بي دي"، مشدداً على خطورة تلك الأنواع إذ إن تأثيرات استعمالها تسبب أضراراً شديدة بالجسم والعقل، بجانب مضاعفاتها الصحية التي تقلل بدورها نسب التعافي.
توظّف السعودية وسائل التقنية الحديثة من أجل مكافحة تهريب وترويج المخدرات
ويحذّر المسؤول في أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات السعودية من خطورة التعاطي المتعدد، أو ما يعرف بـ"خلط المواد المخدرة" قائلاً: "نجد بعض المتعاطين يقدمون على تعاطي أكثر من مادة في الوقت ذاته، ما يسبب حدوث حالات إدمان سريعة يصاحبها تدهور شديد للقدرات الذهنية.
تجدد السعودية تأكيدها في مواصلة الاستمرار فيما سمّته بـ"حرب المخدرات"
تحسن متسارع
ورغم هذا كله، يرى الدكتور سليمان اللحيدان أن السعودية تشهد تحسناً متسارعاً حسب قوله في إطار برامج علاج ودعم وتأهيل المتعافين وتطوير الخدمات الخاصة بهم لإعادة دمجهم في المجتمع، كما أشار إلى توافر نمو لافت في إنشاء مراكز تأهيل المدمنين في السعودية، إذ نمت بوضوح، إضافة إلى المساهمة الفاعلة للقطاع الحكومي إذ أسست المستشفيات، ومراكز التأهيل لدمج المدمنين في المجتمع، فضلاً عن مشاركة القطاع غير الربحي الذي بدوره ضاعف أعداد الجمعيات المعنية في تقديم برامج الوقاية، والعلاج، والتأهيل.
الكوادر السعودية المؤهلة تقف بالمرصاد للمهربين بصفة مستمرة
مواكبة المعايير
وفي السياق ذاته، يوضح الدكتور سليمان اللحيدان، مدير إدارة الدراسات والمعلومات في أمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، بأن برامج تأهيل المدمنين في السعودية تتمتع بمواكبة المعايير الدولية، كما تتبع بروتوكولات صحية عالمية تدمج بين العلاج الطبي الدوائي والجانب النفسي، والاجتماعي.
السلطات الأمنية السعودية تشدد على ضرورة دعم الجهود الرسمية المبذولة لمكافحة المخدرات
استهداف ممنهج
ويؤشر الكشف عن حجم محاولات تهريب المخدرات للسعودية إلى الاستهداف الممنهج من قبل شبكات الإجرام المحلية والدولية لإغراق البلاد بالمواد الممنوعة عبر أساليب مبتكرة، وحيل جديدة، غير أن الكوادر السعودية الأمنية المؤهلة تقف "بالمرصاد" لأولئك المهربين إذ تعلن بصفة مستمرة إحباط محاولاتهم.
خطط وتدابير
وتنفذ المديرية العامة لمكافحة المخدرات والإدارات والفروع التابعة لها في إطار ما أسمته بـ" حرب المخدرات" الخطط والتدابير الأمنية اللازمة للقضاء على مروجي السموم، إذ تدعمها بضربات استباقية لتعطيل شبكات تهريب وترويج المخدرات داخليًا وخارجيًا، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الصلة مثل هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
ويطرح الباحث السعودي الدكتور صالح الخثلان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، مقاربة لافتة نشرها مركز الخليج للأبحاث بعنوان "تحرّك إقليمي ضد المخدرات"، إذ تناولت منهجية المقاربة بأن نجاحات تفكيك التنظيمات الإرهابية وانطفاء جذوتها في منطقتنا مقارنة بما كانت عليه قبل عدة سنوات تمثل دافع إلى جهد إقليمي مشترك آخر يدعم جهود الأجهزة الأمنية الوطنية من أجل التصدي لخطر آخر يتمثل في عصابات تهريب المخدرات.
تحالف إقليمي
يطالب الباحث عبر مقاربته بضرورة الحاجة إلى البدء في تحرّك إقليمي مشترك يساند الجهود الوطنية للتصدي لعصابات المخدرات خاصة في خضم التحول في طبيعة التحدي وتصدر الميليشيات المتطرفة عمليات تصنيع وتهريب المخدرات، الأمر الذي يقتضي ضرورة التحول الاستراتيجي في مكافحة المخدرات عبر التعامل معها ليس بصفته تهديدا مجتمعيا قائما على تحقيق مكاسب مالية باستهداف الأجيال الشابة وإفسادها، بل كونها مصدر تهديد أمني – سياسي تزداد خطورته وقد تتجاوز القدرات المنفردة للأجهزة الأمنية الوطنية، الأمر الذي يتطلب التفكير في تأسيس تحالف إقليمي بدعم دولي شبيه بالتحالف الدولي ضد داعش، حسب رؤيته.
جهود مشتركة
في سياق تلك المقاربة، يؤكد الباحث السعودي الدكتور صالح الخثلان، أن حجم المخدرات الهائل التي تضبطها الأجهزة الأمنية في المنطقة، وخاصة في دول الخليج، وكذلك تطور قدرات عصابات التهريب وتماديها وإصرارها على الاستمرار في مشروعها التخريبي بالرغم مما تتلقاه من ضربات موجعة يؤكد أن هذا الخطر لا ينحصر على تهديد أمن ومجتمع دولة واحدة، بل يمثل تحديا إقليميا يقتضي جهداً مشتركاً.
ويوضح أن معركة المنطقة مع المخدرات ليست مع عصابات إجرامية تقليدية، بل مع مليشيات ذات أهداف وغايات سياسية تحركها دوافع إيديولوجية تتمتع بإمكانيات عالية لا يمكن مواجهتها بجهود فردية أو بآليات تقليدية ناعمة بل تتطلب استراتيجية إقليمية صلبة.
يبرز بصفة مستمرة تحذير الأجهزة الأمنية السعودية بأنها لن تترك المجال للمهربين ومروجي المخدرات باستهداف البلاد أو العبث بأمنه وفقاً لاستراتيجية أمنية متكاملة، متعهدة في الوقت ذاته توجيه الضربات الاستباقية لمواجهة هؤلاء المروّجين بحزم متواصل، كما تشير لغة البيانات الأمنية التي تصدرها سلطات البلاد المختصة.
يتجسد ذلك بتأكيد وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود، بأن السعودية سخرت إمكانياتها كافة، وبذلت جهوداً استثنائية عبر خطط أمنية استباقية لمكافحة المخدرات وضبط مهربيها ومروجيها، وحققت الكثير من الإنجازات والنجاحات في مواجهة هذه الآفة، والتصدي لأخطارها، وفي الوقت ذاته جدد التأكيد بأن جهود وزارة الداخلية مستمرة في التصدي بقوة وصرامة لكل ما يهدد أمن الوطن واستقراره.