الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - أخبار العالم - كيف تؤثر حرب غزة على الصحة الذهنية والنفسية للكبار والصغار؟

كيف تؤثر حرب غزة على الصحة الذهنية والنفسية للكبار والصغار؟

الساعة 10:04 مساءً

 

أنجبت نبيلة حمادة طفلين توأما في غزة في بداية الحرب، في مستشفى تفوح منه رائحة الجثث المتحللة ومكتظ بالنازحين. وعندما هددت القوات الإسرائيلية المستشفى، فرت مع زوجها وطفل واحد فقط، بعدما ابلغهما الطاقم الطبي أن الآخر أضعف من أن يغادر. وبعد فترة وجيزة، داهمت القوات الإسرائيلية المستشفى - الأكبر في غزة- ولم تر الصبي مرة أخرى.

 

خلفت صدمة ترك أحد طفليها خوفا كبيرا بداخل نبيلة (40 عاما)، الى درجة أنها باتت غير مؤهلة للتعامل مع العبء اليومي للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة بأهواله.

 

وقالت "لم اعد قادرة على رعاية أطفالي الأكبر سنا أو منحهم الحب الذي يحتاجونه".

 

نبيلة واحدة من بين مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعانون من تدهور صحتهم النفسية والذهنية بعد تسعة أشهر من الحرب. وقد توالت عليهم الصدمات بلا توقف؛ فتحملوا مقتل افراد عائلاتهم وأصدقائهم جراء القصف الإسرائيلي، واصيبوا بجروح وتشوهات. وتجمعوا في منازل أو خيام مكتظة مع استمرار النزوح المتكرر، دون الوصول الى مكان آمن للتعافي.

 

وابلغ خبراء الأسوشيتدبرس بانتشار اعراض القلق والخوف والاكتئاب وعدم النوم والغضب والعدوان بين النازحين. اما الأطفال فهم الأكثر عرضة لهذه الاعراض، خاصة وأن العديد من ذويهم قادرون بالكاد على الحفاظ على تماسكهم.

 

لا يوجد سوى القليل للغاية من الموارد لمساعدة الفلسطينيين على معالجة ما يصابون به نفسيا وذهنيا. إذ يقول اطباء الصحة الذهنية إن العدد الهائل من المصابين باضطرابات وصدمات نفسية يحد من قدرة الاطباء على تقديم عون حقيقي، لذلك يقدمون لهم نوعا من "الإسعافات الأولية النفسية" لتخفيف أسوأ الأعراض.

 

وقالت أولريكه يوليا فنت، منسقة حماية الطفل في حالات الطوارئ بلجنة الإنقاذ الدولية، إن "نحو 1.2 مليون طفل بحاجة إلى دعم نفسي وذهني، أي جميع أطفال غزة تقريبا".

 

وتكررت زيارات فنت لغزة منذ اندلاع الحرب.

 

وقالت إن اي انشطة بسيطة، مثل ممارسة ألعاب ودروس فنية، يمكن أن تحدث فرقا، وان "الهدف هو أن نظهر لهم أنه ليس فقط الأمور السيئة هي التي تحدث".

 

اضافة الى ذلك، يؤدي النزوح المتكرر إلى تفاقم الصدمات، فقد نزح ما يقدر بنحو 1.9 مليون من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من ديارهم، ويعيش معظمهم في مخيمات تفتقر الى الخصوصية والنظافة والخدمات، ويكافحون من أجل العثور على غذاء وماء.

 

وقال جهاد الهمص، الذي كان يقيم قرب مدينة خان يونس جنوبي القطاع، إنه فقد عينه اليمنى وأصابع يده اليمنى عندما التقط ما اعتقد أنها علبة طعام، كانت في الحقيقة ذخيرة غير منفجرة. وكاد أطفاله أن يصابوا معه.

 

منذ ذلك الحين، يعاني الهمص من الأرق والاضطراب، ويقول "أبكي في كل مرة أرى فيها نفسي وما أصبحت عليه".

 

تواصل الهمص مع إحدى مبادرات الصحة الذهنية القليلة في غزة، تديرها وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

 

وقال فؤاد حماد، مسؤول الصحة الذهنية في الأونروا، إنه عادة ما يأتيهم ما بين 10 اشخاص إلى 15 شخصا بالغا يوميا من ملاجئ خان يونس يعانون من اضطرابات في الأكل والنوم والغضب الشديد وعدم السيطرة عليه، وغيرها.

 

شهد محمود ريحان مأساة عائلية، فقد قتل ابنه وابنته الصغيرين في غارة إسرائيلية، وبترت ساق زوجته، فبات الآن منعزلا داخل خيمته، وينام معظم اليوم، ولا يتحدث الى أحد تقريبا.

 

وقال إنه لم تعد لديه القدرة على التعبير عما حدث ويحدث له، هو فقط يرتجف ويتعرق، مضيفا "أبكي طوال الوقت، ولا أشعر سوى بثقل في قلبي".

 

فقد ابن عمه، عبد الرحمن ريحان (20 عاما)، والده وشقيقيه وأربعة من أبناء عمومته في غارة اسرائيلية. وعندما يسمع دوي القصف الان يرتجف ويصاب بالدوار، وتتسارع دقات قلبه. ويقول "أشعر أنني في كابوس، أنتظر أن يوقظني الله منه".

 

وقالت فينت إن الضرر النفسي يمكن أن يكون له تأثير على نمو الاطفال الذهني على المدى البعيد، وان أطفال غزة يعانون من الكوابيس بسبب التوتر ودوي القصف والتكدس والنزوح المستمر.

 

وقالت نشوى نبيل، من دير البلح، إن أطفالها الثلاثة فقدوا اي إحساس بالأمان، أكبرهم يبلغ من العمر 13 عاما وأصغرهم 10 أعوام.

 

وأضافت "لم يعودوا قادرين على التحكم في التبول، وأصبحوا يمضغون ملابسهم، ويصرخون، وباتوا عدوانيين لفظيا وجسديا. عندما يسمع ابني معتز صوت طائرة أو دبابة، يركض للاختباء في الخيمة".

 

في مدينة دير البلح بوسط القطاع يعمل فريق نفسي اجتماعي تابع لجمعية المجد لتأهيل المعاقين مع عشرات الأطفال، لتعليمهم كيفية الاستجابة لواقع الحرب، ومنحهم مساحة للعب.

 

وقالت جورجيت الخطيب، مديرة المشروع" (نعلمهم) انه عندما يقع قصف عليهم أن يلتفوا حول أنفسهم في وضع الجنين، وان يبحثوا عن السلامة بعيدا عن اي مبان أو نوافذ. نحن نطرح سيناريوهات، ولكن كل شيء في غزة ممكن".

 

حتى من فروا من غزة تكبدوا خسائر نفسية هائلة. فقد تكرر نزوح محمد خليل وزوجته وأطفالهما الثلاثة سبع مرات قبل وصولهم إلى مصر. وصلت زوجته وأولاده في يناير، وانضم هو إليهم في مارس. قبلها، في غزة، كانت ابنتهما (8 سنوات) تختبئ في الحمام أثناء القصف وإطلاق النار، صارخة "سوف نموت". كما لم يتمكن ابنهما (6 سنوات) من النوم إلا بعد أن اخبرته والدته أن الموت شهيدا يوصلنا للجنة، وهناك نتناول الفواكه والخضروات التي يفتقدونها في غزة التي تموت جوعا، وليس جراء القصف الاسرائيلي فقط.

 

يتذكر خليل الرعب الذي عايشوه عندما فروا سيرا على الأقدام عبر ما تطلق عليه اسرائيل "الممر الآمن"، وسط إطلاق نار المدافع الإسرائيلية في موقع قريب.

 

وقال إنه حتى بعد وصولهم إلى مصر، لازال الأطفال منطوين وخائفين. والتحقوا بمبادرة الخدمات النفسية والأكاديمية للفلسطينيين في القاهرة، التي تقدم جلسات للعلاج بالفن، واللعب، ودروس الرياضيات واللغة، والتربية البدنية.

 

وقالت مؤسسة المبادرة، عالمة النفس ريما بلشي "رأينا احتياج هؤلاء الأطفال، الذين شهدوا رعبا أكبر مما قد يراه أي منا على الإطلاق".

 

وفي زيارة ميدانية أخيرة، تذكرت ريما أن توأما من غزة (5 سنوات) كانا يلهوان عندما تجمدا فجأة عند سماع ازيز مروحية، وتساءلا "هل هذه طائرة حربية إسرائيلية؟" فأوضحت لهما ريما أنها طائرة مصرية. فتساءلا مرة أخرى "هل المصريون يحبوننا؟" فطمأنتهم ريما بـ"نعم".

 

وتقول "لقد غادروا غزة، لكن غزة لم تغادرهم."

 

واضافت ان الامل في شفاء الأطفال الذين اصيبوا بصدمات جراء الحرب قائم، لكن طريق الشفاء طويل، "لا أقول "تعافيا تاما"، ولكني أرى بالتأكيد دليلا على بداية ضعيفة. قد لا يتعافون تماما من الصدمات التي تعرضوا لها، لكننا نعمل الآن على تعليمهم التعامل مع الخسارة والحزن... وهي عملية طويلة."