أظهرت دراسة جديدة أن مجموعة واسعة من مشاكل الدماغ، ابتداءً من الصداع النصفي إلى السكتات الدماغية، تتفاقم بسبب الحرارة الشديدة، وهو ما يعني أن التغير المناخي الذي يشهده العالم من شأنه أن يزيد من بعض المشاكل الصحية.
وقال تقرير نشره موقع "ساينتيفيك أميركان" عن هذه الدراسة، واطلعت عليه "العربية.نت"، إن العلماء خلصوا إلى أن التأثير الأكثر مباشرة لدرجات الحرارة المرتفعة هو أنها يمكن أن تعبث ببعض الخلايا في الدماغ، لكن الحرارة الشديدة تُسبب مجموعة متنوعة من المشاكل الأخرى أيضاً، لأولئك الذين تم تشخيص إصابتهم بالصرع والفصام والزهايمر والشلل الرعاش وأمراض أخرى.
وقال سانجاي سيسوديا، المؤلف الرئيسي للدراسة وطبيب الأعصاب في جامعة كوليدج لندن، إن الدماغ البشري يعمل بشكل أفضل عندما تتراوح درجات الحرارة الخارجية بين 68 إلى 79 درجة فهرنهايت، مشيراً الى أن هذه الحرارة هي التي "نشعر فيها بالراحة الحرارية من دون الحاجة إلى القيام بأشياء إضافية".
وأضاف أنه إذا "خرجت درجة الحرارة عن هذا النطاق"، فإن الطريقة التي تتفاعل بها مكونات الجسم "يمكن أن تتعطل".
وقال جورج بيري، أستاذ علم الأحياء في جامعة تكساس في سان أنطونيو، إنه في حين أن درجة حرارة الدماغ "منظمة بشكل جيد حقاً"، فإن درجات الحرارة الخارجية المفرطة تشوه بعضاً من شبكة دعم الدماغ، خاصة بالنسبة لأولئك الذين هم في سن متقدمة.
وأضاف: "في درجات الحرارة المرتفعة، يتم نقل كمية أقل من الأكسجين وتغيير عمليات التمثيل الغذائي لينتهي الأمر بالضغط على الكثير من الأنظمة المختلفة التي تحافظ على عمل الدماغ بشكل طبيعي".
وكان بيري من أوائل العلماء الذين تكهنوا بالصلة بين تغير المناخ والاضطرابات العصبية في أوائل عام 2010.
وتقول الدراسة الجديدة إن ضعف التواصل بين خلايا الدماغ يمكن أن ينجم عن "الجفاف الناجم عن الحرارة، وفقدان الإلكتروليتات، وعدم تحمل الحرارة النفسي".
وكجزء من بحثهم، قام سيسوديا وزملاؤه بدراسة 332 ورقة أكاديمية، ووجدوا أن الحرارة الشديدة لها "آثار ضارة واسعة النطاق ومعقدة" على مجموعة متنوعة من حالات الدماغ، وأحيانا لأسباب مختلفة للغاية.
وعلى سبيل المثال، أوضح سيسوديا أن موجات الحرارة نفسها يمكن أن تساهم في السكتات الدماغية، لكن الحرارة الشديدة ترتبط أيضا بزيادة التلوث الذي يضاعف احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية. ويمكن لدرجات الحرارة المرتفعة أيضاً أن تقطع النوم وتعطل سلاسل التوريد للأدوية.
ووجدت الدراسة أن تغير المناخ يمكن أن يؤثر على عوامل مثل "الدخول إلى المستشفى بسبب الاضطرابات النفسية، أو امتداد نطاق النواقل والاضطرابات الاجتماعية والسياسية" التي قد تؤدي بشكل غير مباشر إلى تفاقم أنظمة الأمراض العقلية.
وأحد الأمثلة غير المباشرة التي استشهد بها سيسوديا هو الصرع، حيث قال: "عندما ترتفع درجة الحرارة ليلاً، يجد الكثير من الناس أنهم لا يستطيعون النوم بشكل صحيح. إذا لم تتمكن من النوم بشكل صحيح، فبالنسبة لبعض الأشخاص المصابين بالصرع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة عدد النوبات التي يعانون منها".
ووجدت دراسة نُشرت عام 2023 في مجلة "هيلث ساينس ريبورتس" أن هذه الاضطرابات البسيطة يمكن أن تؤثر على الصحة العقلية للجميع تقريباً، وأضافت: "يمكن أن تزيد درجات الحرارة المرتفعة من عدم الراحة، وتتداخل مع النوم، وتغير الروتين اليومي، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوتر والقلق، وحتى الضعف الإدراكي إذا لم تتم مراقبته".
وقال سيسوديا إنه في حين أن بعض العواقب لن تدوم بعد موجة حر معينة، فإن البعض الآخر "يمكن أن يكون قاتلا لكثير من الناس".
واستشهد بإحدى الدراسات التي قام الفريق بمسحها، والتي نشرها الأرشيف الدولي للصحة المهنية والبيئية عام 2006، عندما قال: "في موجة الحر الأوروبية عام 2003، كان حوالي 20% من الوفيات الزائدة لأشخاص يعانون من أمراض عصبية". وبالمقارنة، كان 10% فقط من السكان يعانون من مرض عصبي.
وأضاف سيسوديا أن موجات الحر لعام 2022 أدت أيضاً إلى نسبة عالية من الوفيات المرتبطة بالحرارة في بريطانيا " بسبب حالات عصبية".
وأفاد المكتب البريطاني للإحصاءات الوطنية أن "الخرف ومرض الزهايمر كانا السبب الرئيسي للوفيات الزائدة في إنجلترا وويلز خلال فترات الحر في عام 2022"، كما أظهرت أرقامهم أن المرضين يمكن أن يمثلا 27% من الوفيات الزائدة المرتبطة بالحرارة.
وأفاد تقرير "ساينتيفيك أميركان" أن البيانات المتزايدة وضعت السلطات الصحية في حالة تأهب، حيث تحذر الوكالات الحكومية حالياً من أن الأشخاص المصابين بالخرف يواجهون مخاطر إضافية في الحرارة.