بينما يعزز مجلس التعاون الخليجي في إطار رؤيته للأمن الإقليمي ترسيخ الاستقرار، والأمن والسلم الدوليين، فضلاً عن معالجة التحديات التي تواجه المنطقة، بجانب تحويلها إلى فرص للتنمية والازدهار، يضع المجلس منذ إنشائه رؤية واضحة لمستوى التكامل المشترك بين دوله، إذ ترتكز تلك الرؤية على حماية دول الخليج من التهديدات كافة باعتبار أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ.
وفي الوقت نفسه، أكد أمين عام مجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، أن رؤية المجلس تدعم النمو الاقتصادي واستدامته عبر تنويع القاعدة الإنتاجية والانتقال إلى الاقتصاد المرتكز على المعرفة والابتكار، فضلاً عن وضع دول المجلس لاعباً استراتيجيًا في ساحة التجارة العالمية، جاء ذلك أثناء إقامة احتفال ذكرى تأسيس مجلس التعاون الـ 43.
بيد أن إدراك قادة دول المجلس بأن النمو والازدهار الاقتصادي لا يمكن تحقيقه إلا عبر بيئة آمنة ومستقرة، لذا صاغ المجلس رؤيته الخاصة في الأمن الإقليمي التي بدورها تعزز مبدأ التكامل الأمني، والبناء على جهود دول المجلس في التعاون الأمني على صعيد مكافحة المخدرات، والإرهاب، ومواجهة المخاطر.
التحديات الإقليمية
وتتعامل دول المجلس مع التحديات الإقليمية والفرص المستقبلية بشكل جدي، فيما تحرص على استقرار وأمن منطقة الخليج العربي، ويشدد أمين عام مجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي على أهمية رؤية الأمن الإقليمي في حديثه لـ"العربية. نت" ، معتبراً أنها تضمنت خطوات للتنفيذ متضمنة أهدافا متعددة على غرار الملفات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وتلك المتعلقة بالأمن المائي، والأمن الغذائي.
وتكثف الرؤية الجهود للاستمرار في القيام بدور ريادي فاعل لتجنيب المنطقة تداعيات الحروب ومعالجة الأزمات الإقليمية وبذل المساعي الحميدة ودعم جهود الوساطة، والمطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمحافظة على سيادة ووحدة وأمن دول المنطقة، والتصدي للتدخلات الخارجية.
إلى ذلك، يقول الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات، عبد العزيز العويشق، في الفترة الماضية ظهرت محاولات متعددة من جهات خارجية لوضع رؤية لأمن الخليج، ولكنها غالباً ما تجاوزت الدور المركزي لمجلس التعاون في الحفاظ على الأمن الإقليمي، وقللت من وزن الإمكانات الذاتية لدول المجلس، فيما تمثل الرؤية الجديدة تحديثاً ملموساً لمواقف مجلس التعاون في ضوء عدد من المستجدات الإقليمية والدولية المهمة. وتنطلق من مركزية منظومة مجلس التعاون لأي إطار للأمن الإقليمي، ومن مبدأ الأمن الجماعي.
في سياق متصل، يطرح محللون سياسيون لـ"العربية.نت" رؤاهم المستقبلية حول أهم تكتل إقليمي مضى على تأسيسه 43 عاماً، إذ يرى الكاتب والمحلل السياسي منيف عماش الحربي، ضرورة تحقيق الوحدة الاقتصادية التي بدورها تحقق نقلة مهمة لدول المجلس وشعوبه، فضلاً عن أهمية التمارين الأمنية المشتركة العسكرية والأمنية التي بدورها أفضت لـ"إنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية".
ويقول إن مجلس التعاون الخليجي يعد ضمن أنجح المنظمات الإقليمية إذا جرى مقارنتها بالمنظمات الأخرى في المنطقة والعالم، مضيفاً أنه إذا كانت قمة أبوظبي في عام 1981 تعد قمة التأسيس لمجلس التعاون، فإن قمة العلا التي عقدت في 2021 تعد التأسيس الثاني لمجلس التعاون الخليجي.
تنسيق وتضامن
وبالعود إلى الركائز التي أشار إليها الحربي فإنه يرى أن تنسيق المواقف الخليجية يحقق التضامن والاستقرار في دول المجلس، لافتاً إلى أن دورية انعقاد هذه القمم حققت الحد الأدنى من التوافقات فيما يخص السياسة الخارجية.
وشدد منيف عماش الحربي، المحلل السياسي، على أن رؤية الأمن الإقليمي الخليجية التي طرحت أخيراً تضع التحديات المشتركة والمعوقات التي يجب التعامل معها، في ضوء عدد من المستجدات الإقليمية والدولية.
ضرورة الواقعية السياسية
ويشير إلى أن هذه المرتكزات تصوغ نجاحات مستقبلية للمجلس، بيد أنه أوضح أهمية الواقعية السياسية، قائلاً: "يجب أن نكون أكثر واقعية فنحن نعيش في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، هذه المنطقة ليست مستقرة، فهناك العديد من الصعوبات والأحداث التي يجب التعامل معها بيد أن المجلس حقق الحد الأدنى من تطلعات الشعوب على المستوى الاقتصادي والسياسي".
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي البحريني عبدالله الجنيد، إن ارتقاء مستوى التكافل والتكامل الأمني والدفاعي الخليجي، أسهم في دفع الكثير من الأخطار مثل الإرهاب المُنظم والتغيير القسري للجغرافيا السياسية عبر تغير الأنظمة، إلا أن جملة تلك التحديات قادت لخلق عمق استراتيجي جديد للعالم العربي عبر: الرياض - مجلس التعاون الأقدر على تمثيل الإرادة الإقليمية، العربية أمنياً ودفاعياً.
تحولات الأمن الإقليمي
ويضيف أن مفهوم "الأمن القومي الخليجي المشترك" شهد تحولات عدة منذ تأسيسه، فيما بات المجال الأمني الخليجي يتكئ على تجربة قتالية لافتة، فضلاً عن استيعاب لمجالات العلوم والإمكانات العلمية المتقدمة من السلاح بمختلف أنواعه، إلى منظومات الأمن السيبراني والفضائي، ويستمر المجلس في دعم مفهوم الاستحواذ بدل اقتناء المنظومات القتالية وكذلك توطين المعارف والصناعات العسكرية والمدنية.
يؤكد الباحث والمحلل السياسي، عبدالله الجنيد، أن المستقبل المشترك لدول الخليج يمثل الحتمية الوحيدة القادرة على مواجهة تحديات المستقبل، حسب قوله.
عملة خليجية مشتركة
بيد أنه ذكر أن الأمن الاقتصادي الاستراتيجي يستوجب العودة لمناقشة العملة الخليجية المشتركة في أقرب فرصة ممكنة، أو حتى الاتفاق على اعتماد عملة رقمية تعزز قيمة الكتلة اقتصادياً، وتشجع رؤوس الأموال الخليجية على التحويل ضمن المنظومة بينياً.
تطوير أسواق المال
ويطرح الجنيد في سياق رؤيته أيضاً الرغبة في تطوير أسواق المال الخليجية، واستقطاب رؤوس الأموال الخارجية، قائلاً: الاقتصادات الخليجية واعدة، إذ تحظى باهتمام دولي، مشيراً إلى ضرورة معالجة الاختلال الديموغرافي لكونه مصدرا مهددا للأمن الاقتصادي والاجتماعي، فيما يمثل تهديداً مستقبلياً ماثلاً إن لم يٌعالج ضمن رؤية استراتيجية مشتركة.
15 بنداً
وتمحورت رؤية المجلس ضمن الجهود المشتركة لتعزيز الأمن الإقليمي في 15 بنداً، أهمها تعزيز القدرات الذاتية وتعميق الشراكات الإقليمية والدولية ودعم آليات التعاون والتنسيق على الصعيدين الإقليمي والدولي لتعزيز مفهوم ربط المصالح الاستراتيجية في سبيل الحفاظ على الأمن البحري وأمن الممرات المائية والتصدي للأنشطة التي تهدد خطوط الملاحة البحرية والتجارة الدولية وإمدادات الطاقة، ومكافحة عمليات التهريب بأنواعها ومساراتها، وضمان تنسيق الجهود الإقليمية والدولية.
إلى جانب تكثيف العمل لمواجهة التحديات المستقبلية في مجالات الأمن المائي والغذائي واحتمالية تفاقمها، على المستويين الإقليمي والدولي نتيجةً للظروف الناشئة من التغيرات البيئية واندلاع الصراعات والأزمات، والمساهمة بشكل فاعل مع الأطراف الإقليمية والدولية لإيجاد حلول مستدامة لمعالجتها، وتعزيز التنسيق والتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين للحفاظ على سلاسل إمداد الغذاء العالمية واستقرار أسعارها، حتى لا يدفع ذلك الدول المستهلكة لمواجهة خطر المجاعة.
فضلاً عن تكثيف العمل لإيجاد حلول فاعلة للتعامل مع تحديات التغير المناخي بواقعية ومسؤولية ونهج متوازن، والعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتطوير استراتيجيات طويلة المدى، تساعد على التوجيه الكامل لتنفيذ التعهدات والالتزامات ضمن مبادئ اتفاقية "الأمم المتحدة" الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس، وذلك بعدّها الأساس للتقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والاستثمار في الحلول المناخية والشراكات الإنمائية.