أكد عدد من السفراء الأجانب لدى السعودية أن إعلان 3 دول أوروبية (النرويج وآيرلندا وإسبانيا)، الأربعاء، الاعتراف بدولة فلسطين رسمياً في 28 من الشهر الحالي، يمثل خطوة مهمة ومتقدمة من شأنها أن تعجّل بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وحل القضية القائمة على أساس حل الدولتين والمرجعيات الدولية المعتبرة.
ونوّه السفراء، في حديثهم لـ صحيفة "الشرق الأوسط" بالدور السعودي في دعم القضية الفلسطينية في المحافل الإقليمية والدولية، والجهود التي بذلتها الرياض في الآونة الأخيرة تجاه حشد موقف دولي يدفع العديد من الدول في العالم تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبرين أن ذلك يأتي في سياق دعم السعودية للقضايا المهمة والجوهرية للعرب والمسلمين، وحدّدوا الجهود السعودية في طريق حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، خصوصاً باستضافة «القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض» نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وعدد من الاجتماعات الوزارية والجولات على غرار «الاجتماع العربي الإسلامي الأوروبي» على مستوى وزراء الخارجية في الرياض الشهر الماضي.
وقال عميد السلك الدبلوماسي لدى السعودية سفير جيبوتي ضياء الدين بامخرمة للصحيفة: إن بلاده ترحّب بقرار دول إسبانيا والنرويج وآيرلندا، الأربعاء، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعتبر ذلك خطوة مهمة على طريق حل الدولتين.
تحقيق الأمن والسلام
وأضاف بامخرمة، في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»، أن قرار الدول الأوروبية الثلاث «يصب في إطار تحقيق الأمن والسلام في العالم كون القضية الفلسطينية إحدى أهم القضايا في العالم وتفاقمها عبر عقود سبب رئيسي لكثير من الأزمات في العالم والمنطقة بفعل ما حدث للشعب الفلسطيني من احتلال وتهجير».
وأشار إلى أن قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية كما تنص على ذلك القرارات والمرجعيات الدولية ومنها المبادرة العربية، سيعزز من الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، مجدّداً دعوة بلاده لكل الدول التي لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية إلى الاعتراف بها، لأن ذلك «سيشجع على السلام ويسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرّين منذ عقود طويلة».
أمراً جوهرياً
وعدّ السفير الجيبوتي في الرياض حل القضية الفلسطينية «أمراً جوهريّاً» لتحقيق السلام في العالم، وهو ما تطالب جيبوتي المجتمع الدولي بالعمل عليه، وأثنى بامخرمة على الموقف السعودي المبدئي من القضية الفلسطينية، قائلاً: «من العدل والإنصاف القول بأن السعودية منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وقفت بصدق لمناصرة الشعب الفلسطيني منذ بداية مأساته، ونستذكر موقف الملك سعود الذي سلّم لأحمد الشقيري، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، مقعد السعودية في الأمم المتحدة حتى يستطيع ممثل الشعب الفلسطيني أن يدافع عن قضية بلاده ليس من موقع الفلسطينيين فحسب وإنما من موقعه كممثل للسعودية في الأمم المتحدة».
السعودية سند رئيسي
واستطرد: «السعودية بوصفها السند الرئيسي للفلسطينيين على مر تاريخها قامت بدور فاعل في الآونة الأخيرة وتحديداً منذ القمة العربية الإسلامية غير العادية التي عقدت في شهر نوفمبر الماضي في الرياض، من أجل تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، وما تحقّق اليوم هو ثمار هذا العمل الدؤوب للدبلوماسية السعودية التي تساندها دول عربية وإسلامية لدعم هذا الموقف».
من جانبه، اعتبر محمد النبوت، لـ"الشرق الأوسط" السفير الموريتاني لدى السعودية، أن التطورات الأخيرة وإعلان بعض الدول نيتها الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية «تمثل خطوة مهمة نباركها».
وتابع النبوت: «الاعتراف بفلسطين قضية مهمة جداً بالنسبة لنا، وهو أمر مبدئي، بحكم أن قضية فلسطين مهمة جداً لكل العرب والمسلمين، وغني عن البيان أن أي خطوة إلى الأمام باتجاه الاعتراف بفلسطين من أي طرف من شأنها أن تعزز وتعجّل وتساعد على قيام الدولة الفلسطينية»، مشدّداً على أن الدور السعودي في دعم القضية الفلسطينية يعد «مهماً وريادياً، يذكر فيشكر، حيث إن السعودية رائدة في كل المجالات الأساسية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضايا العرب والمسلمين، ولم تقصر قط في دعم قضايا الأمة الجوهرية والأساسية».
وأعربت الرئاسة الفلسطينية عن شكرها للجنة الوزارية العربية الإسلامية - المنبثقة عن «القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية» التي عُقدت في الرياض نوفمبر الماضي - عادّة أنها تواصل جهودها واتصالاتها وزياراتها المقدرة في هذا الشأن، كما شكرت الدول الشقيقة والصديقة التي أسهمت في الوصول إلى هذه المرحلة من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ورحّبت السعودية اليوم بالقرار الإيجابي الذي أعلنته النرويج وآيرلندا وإسبانيا بالاعتراف بدولة فلسطينية والذي سيصبح رسمياً وسارياً في الـ28 من الشهر الحالي، كما ثمّنت «الإجماع الدولي على الحق الأصيل للشعب الفلسطيني في تقرير المصير»، ودعت بقية الدول إلى المسارعة في اتخاذ القرار نفسه، مجددة في الإطار ذاته دعوتها للمجتمع الدولي والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التي لم تعترف حتى الآن بالدولة الفلسطينية إلى الإسراع بالاعتراف بهذه الدولة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية «ليتمكن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة وليتحقق السلام الشامل والعادل للجميع».
وبعد دعوة الرياض إلى «القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية» في أواخر نوفمبر الماضي، كلّفت القمة وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين والأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، وأجرت اللجنة عدداً من الزيارات لعواصم أوروبية ودولية فاعلة، فضلاً عن سلسلة من الاجتماعات.
واستضافت الرياض، أواخر أبريل (نيسان) الماضي، اجتماعاً عربياً إسلامياً أوروبياً بمشاركة 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي لمناقشة «الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية».
تقدير فلسطيني لجهود الرياض
وأكّد حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لـ«الشرق الأوسط»، أن ملف الاعتراف بدولة فلسطين كان الملف الرئيسي في الاجتماع، مضيفاً أن «هناك دولاً أوروبية مستعدة للاعتراف بدولة فلسطين، وأخرى تعمل على تهيئة الظروف المناسبة لذلك».
ورأى الشيخ، في تصريحاته تلك، أن «التحرُّك السعودي السياسي، فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ينبع من الموقف التاريخي الثابت والراسخ والواضح للمملكة في دعمها وإسنادها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».
وتابع، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الرياض «توظِّف ثقلها العربي والإسلامي والدولي عبر دبلوماسيتها الهادئة، وبالشراكة مع الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم لتجنيد كل هذا التحرك من أجل عزلة إسرائيل، وإدانة سلوكها ومواقفها من جهة، ودعم الحق الفلسطيني من جهة أخرى»، مؤكّداً أنه «في ظل قيادة السعودية لهذا التحرك، نلمس إنجازات متراكمة كثيرة على كل المستويات الإقليمية والدولية».
أولويات التحرك
وفي أولويات هذا التحرك، حدّد الشيخ «وقف الحرب الإجرامية في قطاع غزة والضفة الغربية والانسحاب الإسرائيلي، ووجود خطة سياسية تلقى شبه إجماع دولي وترتكز على قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وتؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية».
وكشف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن أن «هناك تحولاً كبيراً في مواقف كثير من دول العالم، وتحديداً في أوروبا؛ إذ يستعد كثير من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية في القريب العاجل، وهذا موقف يصب في خدمة حل الدولتين وفق القانون الدولي».
واستطرد: «في إطار السداسي العربي نسعى إلى تطوير مواقف البعض الآخر من دول أوروبا وغيرها لتصب في الهدف المرجو ذاته من هذا التحرك»، فيما أشار باسم الآغا، سفير دولة فلسطين لدى السعودية، أن الجهود التي بذلتها المملكة «أسهمت في النتائج التي رأيناها أمس مع إعلان ثلاث دول أوروبية اعترافها بدولة فلسطين»، مؤكداً أن تلك الجهود من شأنها أن تشكل ضغطاً على إسرائيل ناحية وقف العدوان والاتجاه إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية والمرجعيات الدولية في هذا الشأن.
التحرك السعودي
وأضاف الآغا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن السعودية قادت تحركاً عربياً ودولياً ظهر عبر عديد من المناسبات كان آخرها ما يتعلق بوقف العدوان على غزة وجهود حل القضية الفلسطينية، عبر استضافتها في وقت دقيق للغاية الدول العربية والإسلامية في قمة مشتركة «غير عادية» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وصدر عنها بيان قوي، وكلَّفت القمة لجنة وزارية جابت العالم لبلورة موقف دولي تجاه وقف العدوان.
دور السعودية المميز
ونوّه الآغا بـ«الدور المهم والمميز للدبلوماسية السعودية واللجنة الوزارية برئاسة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي»، مضيفاً أن «الاجتماع العربي الإسلامي الأوروبي» في الرياض الشهر الماضي على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، برئاسة السعودية والنرويج، أسهم في دفع عديد من الدول الأوروبية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية والضغط على إسرائيل لوقف المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وأظهر للعالم قوة الموقف الفلسطيني الذي يدعمه وقوف المملكة وقيادتها إلى جانبه.
دبلوماسية فلسطين
ولفت السفير الفلسطيني إلى أن مما أكده ويؤكّده دائماً الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، للرئيس الفلسطيني محمود عباس، قوله: «نحن معكم، و العالم كله معكم، ولن نترككم»، وتابع أن «جهود الدبلوماسية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني المتراكم، دفعا تلك الدول الأوروبية إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وهناك كثير من الدول ستعترف، ومطالبة السعودية للدول التي لم تعترف بعد بأنه آن الأوان للاعتراف وإنصاف الشعب الفلسطيني ليعيش على أرضه بحرية وكرامة واستقرار المنطقة، وكم أشاد السيد الرئيس محمود عباس بمواقف المملكة الإيجابية في دعم فلسطين، قضيةً وشعباً».
النرويج والاعتراف بفلسطين
من جانبه، قال إسبن بارث إيدي، وزير الخارجية النرويجي، لـ«الشرق الأوسط»: «عملنا من أجل الدولة الفلسطينية لمدة 31 عاماً، ونريد بالتأكيد الاعتراف بها»، وتابع: «لكننا مع كثير من الأوروبيين نعمل على خلق الظروف التي سيكون لها تأثير قوي وفعلي على إقامة الدولة الفلسطينية والسلام في المنطقة».
من جهته أشاد أويس حجي يوسف السفير الصومالي لدى السعودية بالخطوات التي بدأت تتخذها عدد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية مشيراً إلى أن بلاده طالبت بحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً للمرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية كما دعت المجتمع الدولي للضغط على اسرائيل لتنفيذ القرارات الدولية وإنهاء الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.وأكّد السفير أن الصومال على تواصل مستمر مع السعودية في هذا الإطار منوّهاً بأن القيادة السعودية تقود جهود العالمين العربي والإسلامي لمنح الحرية للشعب الفلسطيني الشقيق وإنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة والتي أنجزت بقيادتها تلك العديد من النتائج الإيجابية على غرار اعتراف العديد من الدول مؤخراً بدولة فلسطين.