تتعرض شركة «أبل» التي كانت في يوم من الأيام ملكة عالم التكنولوجيا بلا منازع، لهجمات على العديد من الجبهات، إذ بدأ الطلب الصيني على منتجاتها يتراجع، ويواجه متجر التطبيقات المربح الخاص بالشركة انتقادات من الجهات التنظيمية والسلطات الأوروبية، كما أن مشروع إنتاج سيارة كان أحد أهم الأشياء الكبيرة المتوقعة منها قبل إيقافه.
وفي مسيرتها، تضرر تقييم سهم «أبل» بطريقة كبيرة، فبعد بلوغه 3 تريليونات دولار، مسجلاً أعلى مستوياته التاريخية في العام 2023، هبطت قيمتها السوقية بمئات المليارات من الدولارات في أوائل العام 2024، ما سمح لشركة «مايكروسوفت» منافسة «أبل» في وقت من الأوقات، وحليفتها في وقت آخر، أن تحل محلها بوصفها شركة التكنولوجيا الأعلى قيمة في أنحاء العالم.
وفي ما يلي أبرز التحديات التي تواجهها «أبل»:
1 ضغط الاتحاد الأوروبي
بدأ العمل بقانون الأسواق الرقمية في المنطقة في أوائل مارس الجاري، في تهديد جديد لما يسمى «حديقة أبل المسورة»، وهي نظام بيئي يشجع مستخدمي أجهزة «أبل» على شراء المنتجات والخدمات الأخرى للشركة، وسيتمكن العملاء من تحميل البرامج من خارج متجر «أبل ستور» المرة الأولى، وهو يعرف باسم التحميل الجانبي للتطبيقات، ويمكن للمستخدمين أيضاً الاستفادة من أنظمة الدفع البديلة واختيار متصفح ويب افتراضي جديد بسهولة أكبر، ما يعالج شكوتين متكررتين لشركات تطوير البرمجيات والجهات التنظيمية.
ولطالما قاومت «أبل» هذه التعديلات، محتجة بأنها ستقوض تجربة المستخدم وعنصر الأمان في برامجها. وأوضح فيل شيلر، المدير التنفيذي المحنك لشركة «أبل»، والذي يدير «أبل ستور»، في مقابلة يناير الماضي: «يجب على أبل ابتكار تكنولوجيا للسماح لتطبيق بتثبيت تطبيقات أخرى، وهو ما ينطوي على أخطار».
وقبلت الشركة عمولة أصغر على مشتريات متاجر التطبيقات، ولكنها أضافت بعض الرسوم الإضافية التي أثارت استياء شركات تطوير البرمجيات، ويكمن الخطر الأكبر لـ«أبل» في تقسيم نموذج الأعمال الذي يولد عشرات المليارات من الدولارات سنوياً.
وفي إطار منفصل، فرض الاتحاد الأوروبي على «أبل» في 4 مارس غرامة قدرها 1.8 مليار يورو جراء تحقيق في مزاعم بأنها عرقلت منافسين من شركات بث الموسيقى، ومن بينها «سبوتيفاي تكنولوجي».
2 دعوى وزارة العدل الأمريكية
تواصل وزارة العدل منذ 5 أعوام جهودها لإعداد ملف لمقاضاة الشركة وهي تقترب من رفع دعوى قضائية، وتزعم سلطات إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار أن شركة «أبل» فرضت قيوداً على البرمجيات والمعدات على أجهزة «أيفون» و«أيباد»، ما يُصعب على الشركات الأخرى منافستها.
وذكر أشخاص على دراية بالموضوع، أن رفع الدعوى كان متوقعاً مع حلول نهاية مارس الجاري، ولكن اتفاق الإنفاق الفيدرالي الأخير سيحد التمويل المتاح لسلطات إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، ما قد يؤثر في توقيت القيام بذلك، كما التقى ممثلو شركة «أبل» مع مسؤولين بوزارة العدل خلال فبراير الماضي، في محاولة أخيرة لإقناع الوزارة بعدم مواصلة إجراءات اللجوء للقضاء.
3 اللحاق بركب الذكاء الاصطناعي
منذ الانتشار الكبير لتطبيق «تشات جي بي تي» الذي طورته شركة «أوبن إيه آي» في العام 2022، تتسابق شركات التكنولوجيا لإضافة مزيد من خواص الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي تكنولوجيا يمكنها إنشاء نصوص وصور ومقاطع فيديو متقنة بعد صوغ تعليمات عادية.
وكانت شركة «أبل» غائبة بصورة جلية عن هذا الهوس، ما أثار مخاوف من تخلفها عن ركب مجال جديد حيوي، وأكدت الشركة للمستثمرين أن الذكاء الاصطناعي مدمج منذ أمد بعيد في برمجياتها وخدماتها، ولكن بات واضحاً أن «أبل» تحتاج إلى أن يكون لها دور مؤثر أكبر في هذا الصدد.
ودخلت الشركة محادثات لدمج محرك الذكاء الاصطناعي «جيميناي» الخاص بـ«غوغل» في أجهزة «آيفون»، بحسب أشخاص على دراية بالموقف، ويمكن لشركة «أبل» الحصول على ترخيص استخدام «جيميناي»، وهو مجموعة من طُرز الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بـ«غوغل»، لتفعيل بعض الخواص الجديدة المقبلة في برمجيات «آيفون».
وتجهز «أبل» قدرات جديدة ضمن نسخة «آي أو إس 18» أو (iOS 18) - الإصدار المقبل من نظام تشغيل أيفون، بناء على طُرزها من الذكاء الاصطناعي، ولكن هذه التحسينات ستركز على الخواص التي تعمل على أجهزتها، عوضاً عن تلك التي تقدمها عبر الحوسبة السحابية، ولذلك تبحث «أبل» عن شريك للقيام بالشق الرئيس من الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومنها وظائف إنشاء الصور وكتابة المقالات بناء على صوغ تعليمات عادية.
4 التراجع في الصين
تشهد مبيعات «أبل» هبوطاً منذ شهور في الصين، ولا يبدو أنها تتحسن، وتراجعت مبيعات «آيفون» في البلاد على نحو مفاجئ 24% في الأسابيع الستة الأولى من العام 2024، وفق أرقام من «كاونتر بوينت ريسيريش».
وبدأت السوق تتراجع بأكملها، ولكن «أبل» تنحدر بصورة أسرع من المنافسين المحليين، وبرزت شركة «فيفو»، ومقرها في مدينة دونغوان الصناعية الصينية، بوصفها مورداً رئيساً للبلاد، بحسب بيانات «كاونتر بوينت».
وفي محاولة لتحفيز الطلب، قدمت «أبل» حسوماً نادرة على متجرها في الإنترنت في يناير الماضي، وخفض البائعون المحليون أسعار «آيفون» بما يصل إلى 180 دولاراً.
مبيعات أجهزة «أيفون» تتراجع 24% في الصين، ربما كانت المسألة الأشد إثارة للمشكلات توسيع انتشار القيود المفروضة على استخدام التكنولوجيا الأجنبية في مكاتب الحكومة الصينية، ومع احتدام التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو اعتماد شركة «أبل» على البلاد باحتسابها مركزاً للسوق والتصنيع معضلة.
5 وقف مشروع سيارة «أبل»
بعدما ذكر تقرير لبلومبرغ في 27 فبراير أن شركة آبل ستنهي مشروع سيارتها، رحب المستثمرون بالتطوير، وعلى الرغم من كل شيء، يفهم من ذلك أن الشركة لن تنفق مليارات الدولارات على جهد بعيد الأمد بعد الآن، ولكن إنهاء السيارة يحرم «أبل» في نهاية الأمر من مصدر أموال كبير مستقبلاً، وعلى الرغم من صعوبة تصنيع سيارة كهربائية، كان من الممكن أن تطرحها «أبل» بسعر 100 ألف دولار، وتوقع هوامش ربح ضعيفة للغاية على الأرجح في أحسن الأحوال، فإن «أبل» يمكن أن تستغل زيادة المبيعات، وهبطت الإيرادات 3% السنة المالية الماضية، ما يعد أسوأ تراجع للشركة منذ 2016.
ويثير التخلي عن السيارة أيضاً مخاوف من أن شركة «أبل» تفضل السلامة، بدلاً من التحرك بقوة لاكتشاف فئات جديدة بلا خوف.
6 وضع خاص لـ«فيجن برو»
دخلت «أبل» إنتاج فئة منتجات جديدة في العام 2024، وهي سوق الواقع المختلط، التي تطلق عليها الشركة «الحوسبة المكانية»، وأبهرت سماعة «فيجن برو» - التي طرحت المرة الأولى في 2 فبراير الماضي، المراجعين وجذبت المستخدمين الأوائل، ولكنها بقيت منتجاً بقيمة 3500 دولار مع سبب غير واضح بطريقة كافية. والنظارات الواقية ثقيلة جداً إذ لا يمكن ارتداؤها مدة طويلة، ما جعل العديد من شركات تطوير البرمجيات يحجمون عن إنشاء تطبيقات مخصصة لها.
وكانت رؤية كوك الأصلية، بيع زوج من نظارات الواقع المعزز خفيفة الوزن يمكن للمستخدمين ارتداؤها طوال اليوم، ولم تكن التكنولوجيا المناسبة لهذا الجهاز جاهزة بعد، ولذلك كان على «أبل» اللجوء لحل وسط بتقديم سماعة رأس أكبر حجماً تمزج الواقع المعزز بالواقع الافتراضي.
ويكمن التحدي في تقديم سماعة «فيجن برو» أخف وزناً وأرخص، ما يجعلها أقرب إلى منتج ربما يشتريه المستهلك العادي، ولكن هذه العملية تحتاج أعواماً.
7 ركود الحاسوب اللوحي
بعد ما يفوق عقداً من نجاح جهاز «أيباد» السريع، أحب العديد من المستهلكين أجهزة الحاسوب اللوحي، وبلغ مجمل مبيعات هذه الأجهزة العام الماضي أدنى مستوياته منذ العام 2011، بحسب شركة البحوث «آي دي سي» (IDC)، ولا تعد هذه مشكلة خاصة بـ«أبل» وحدها، قطعاً، ولكن الشركة البائع المهيمن على الأجهزة اللوحية، إذ تشكل مبيعاتها 40% تقريباً من حجم الشحنات.
وتحول بعض المستهلكين إلى هواتف أكبر أو عادوا للتو لاستخدام أجهزة الحاسوب المحمولة، ولكن فاقم المشكلة أن «أبل» لم تصدر طرازاً جديداً واحداً لجهاز «أيباد» في السنة التقويمية الماضية، ولم يحدث هذا الشح في الإنتاج منذ إزاحة ستيف جوبز الستار عن الجهاز المرة الأولى في العام 2010.
النبأ السار يتمثل في أن «أبل» تستعد لطرح طُرز جديدة من أجهزة «أيباد» ستعطيه بعض القوة الدافعة، وسيُطرح جهاز «أيباد إير» المحدث بحجمين المرة الأولى، وسيُزود طراز «برو» شاشات «أوليد» أو (OLED)، وهو اختصار للصمام الثنائي العضوي الباعث للضوء، ولا يعد من السابق لأوانه لشركة تراجعت إيراداتها 25% في الربع الأخير من العام الماضي الذي تخلله موسم العطلات، فكانت تمثل أكبر فترة مبيعات للجهاز.
8 معركة قانونية في شأن الساعة الذكية
في تحرك نادر، اضطرت «أبل» إلى التوقف عن بيع إصدارات من ساعتها باستخدام مستشعر يقيس أكسجين الدم، إثر معركة قانونية مع شركة «ماسيمو»، وتمثل الساعات قطعة أساسية من الأجهزة القابلة للارتداء وأجهزة المنزل والملحقات بالنسبة للشركة، وهي أعمال تجارية أسهمت بما يتجاوز 10% من الإيرادات العام الماضي، أو 40 مليار دولار تقريباً.
وعلى الرغم من أن «أبل» كان بمقدورها إلغاء تفعيل هذه الخاصية وإعادة ساعاتها للبيع في السوق، فإنها مثلت إخفاقاً قانونياً مخجلاً لشركة نادراً ما تتعرض له، وربما يسفر فقدان إمكان قياس الأكسجين في الدم أيضاً عن عرقلة جهود «أبل» لإضافة وظائف مستقبلية للساعة، على غرار قياس ارتفاع ضغط الدم ومعدل التنفس في النوم.
9 استنزاف المواهب
يعد تغيير المديرين التنفيذيين مسألة متكررة في «أبل»، وتتمتع الشركة بفريق كبير من المديرين، ولكن الشركة المصنعة لأجهزة «أيفون» خسرت بعضاً من أكثر قادتها تميزاً في الآونة الأخيرة، لاسيما من فريقها للتصميم، ومن بين هؤلاء بارت أندريه، المصمم الصناعي صاحب فترة الخدمة الأطول في الشركة وأحد أكبر حاملي براءات اختراع «أبل»، وغادر أيضاً كبار المصممين كولين بيرنز، وشوتا أوياغي، وبيتر راسل كلارك، في نهاية العام الماضي تقريباً.
وبعد أعوام من مغادرة المواهب، رحل الفريق الذي كان يقود ابتكارات الشركة بالكامل تقريباً في وقت من الأوقات، وعمل تحت إشراف الرجل الأسطوري جوني إيف، وهي مجموعة ساعدت على إضفاء اللمسة الجمالية على «أبل»، كما رحل إيفانز هانكي عن منصب رئيس القسم العام الماضي.
وفي الوقت الحالي تعرض فرق التصميم الصناعي وواجهة المستخدم تقاريرها على جيف ويليامز، الرئيس التنفيذي للعمليات التشغيلية في الشركة، وذكر أشخاص مقربون من الوضع أن وجود شخص يتولى الإشراف على قسم مخصص للتصميم والابتكار، أثار سخط بعض الموظفين، وأضافوا إن هذا السخط تفاقم أيضاً بسبب إجراءات لخفض التكاليف.
10 فترة ربع سنوية صعبة
في ظل هذه الظروف، يوشك تقرير «أبل» الفصلي المقبل أن يكشف عن بيانات غير مرضية للمستثمرين، وحذرت الشركة من أن الأرقام لن تشكل مقارنة جيدة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وفي الربع السابق، كانت شركة «أبل» تتخلص من آخر عقبات العرض المرتبطة بوباء كورونا، كما استفادت من طفرة في المبيعات ناجمة عن الطلب الحبيس، ومن غير المتوقع أن تظفر شركة ما بمكاسب مفاجئة مثل هذه في الفترة الحالية.
ويتوقع محللون، تراجع المبيعات نحو 4% في الربع الحالي، الذي يمتد حتى نهاية مارس، ونتيجة لذلك ستكون قد انخفضت إيرادات «أبل» في 5 فترات ربع سنوية من الـ6% الماضية.
وذكر بارتون كروكيت محلل شركة «روزنبلات سيكيوريتيز» في مذكرة للعملاء أن «أسهم أبل من وجهة نظرنا تمر بنقطة فاصلة. وأضاف أن مشروع السيارة الفاشل وعدم جهوزية «فيرجن برو» بالكامل أضعفا مكانة الشركة.
والسؤال الذي يدور ما إذا كان اندفاع «أبل» نحو مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنه استعادة هذه المكانة، واختتم كروكيت: «لدى أبل القدرة على استعادة جزء من هذه المكانة المفقودة».