لا شكّ أن الحرب الدائرة في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، أججت الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والفصائل الموالية لإيران في العراق وسوريا بالإضافة إلى الحوثيين في اليمن، الذين يبدون حتى الآن متفلتين إلى حد ما مقارنة مع الفصائل المسلحة العراقية.
ورغم أن طهران تنفي باستمرار أن تكون وراء الهجمات التي تشنّها مجموعات موالية لها على قواعد تتمركز فيها قوات أميركية، سواء في العراق أو سوريا، فإن التصعيد في المنطقة كما يرى مراقبون هو صنيعها، وأن الهدف منه توجيه رسائل في أكثر من اتّجاه.
قلق من مواجهة مباشرة؟
لكن السؤال الذي يطرح نفسه على وقع التطورات المتلاحقة، ما مدى قدرة إيران على الطلب من وكلائها تجنّب استفزاز واشنطن وإثارة مواجهة مباشرة، لاسيما في ضوء المعلومات المتداولة عن طلبها أخيراً من حزب الله والجماعات المسلّحة الأخرى في العراق ممارسة ضبط النفس ضد القوات الأميركية".
في السياق، اعتبر الدكتور فراس الياس، المتخصص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية في مقابلة مع "العربية.نت": "أن ما يجري اليوم يأتي في إطار جهد إيراني لإعادة توزيع الأدوار في العراق، جاء بعد الاجتماع السرّي الذي عُقد بين قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني والفصائل العراقية المسلّحة في 29 يناير الفائت في بغداد". وأضاف أن قاآني ألزم كتائب حزب الله إعلان التهدئة مع القوات الأميركية، باعتبار أن ما قامت به الكتائب ضد قاعدة البرج 22 على الحدود الأردنية تجاوز الخطوط الحمراء إيرانياً".
فيما منح بالمقابل حركة النجباء التي أكدت أمس أن تراجع عملياتها قليلا هو هدوء ما قبل العاصفة، الإذن بالاستمرار في التصعيد، حسب الياس.
توازن هش
لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن "إيران تُدرك أهمية المحافظة على قواعد الاشتباك مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لاسيما أنها لا ترغب أن تندفع باتجاه مواجهة متطرّفة".
واعتبر أن طهران "لا تستطيع أن تمضي بالمحافظة على حالة التوازن الهش بين الفصائل المتصارعة على هوية المقاومة بالمفهوم العراقي، وبالتالي منحها ضوءاً أخضر لفصيل دون آخر للاستمرار بالهجمات ضد مصالح أميركية سيؤجج الصراع فيما بينها".
كما رأى أن السلطات الإيرانية تمر بمرحلة حسّاسة تتعلّق بالموازنة بين تلك الفصائل من جهة، وبين الفصائل نفسها وحكومة محمد شياع السوداني، التي تطالب بإنهاء الوجود الأميركي في العراق من جهة أخرى.
الحوثي.. الامتحان الأكبر
وإذا كانت طهران تواجه اختبار "ضبط التوازن" بين الفصائل الموالية لها بالعراق، غير أن الامتحان الأكثر أهمية اليوم هو قدرتها على ممارسة نفوذها على ميليشيات الحوثي المتحالفة معها التي تشنّ هجمات عشوائية على الشحن البحري في البحر الأحمر مهددة التجارة البحرية العالمية.
وقال هشام العميسي، محلل سياسي، وكبير مستشاري المعهد الأوروبي للسلام، لـ"العربية.نت": "إن الحوثي كان موجوداً في الجبال واليوم أصبح في البحر الأحمر، وهذا بفضل إيران التي زوّدته بالتكنولوجيا العسكرية ودرّبته وأعطته السلاح اللازم".
كما اعتبر "أن طهران توزّع الأدوار. فبعد التركيز على الجبهة العراقية وجبهة جنوب لبنان، أتى دور جبهة البحر الأحمر، حيث تنصبّ كل جهودها".
واعتبر "أن لديها أهدافاً عدة مما يجري في البحر الأحمر، أوّلها تقوية الحوثي، وقد مدّته في الفترة الأخيرة بأسلحة نوعية لعرقلة الحركة في البحر الأحمر".
لي ذراع المجتمع الدولي
إلى ذلك، رأى أن إيران "تلوي ذراع المجتمع الدولي بالحوثي".
لكنه أشار إلى أن "السحر سينقلب على الساحر"، لافتاً إلى أن الحوثيين يعتبرون حالياً أن ما يقومون به في البحر الأحمر يُمكن أن يتحمّلوا تداعياته السلبية ضدهم، لكن ذلك سيكون لفترة محدودة.
وتابع قائلا "إيران تقول للمجتمع الدولي إن لدى الحوثيين قرارهم السيادي، وبالتالي لا يمكنها لجمهم، وهذه استراتيجية عملت عليها منذ سنوات". إلا أنه لفت إلى أن "المجتمع الدولي يدرك أن هذه الاستراتيجةي خبيثة".
إلى ذلك، قال "صحيح أن إيران دعمت وموّلت الحوثيين، لكنهم يملكون هامش حرية بالقرار".
واعتبر أن طهران "تلعب بالنار والحجر، وهذه اللعبة من ضمن استراتيجيتها في المنطقة".
كما أردف "كل الجماعات الموالية لها في المنطقة لديها آراء وأهداف مستقلة عنها رغم أنها الداعم الأول والأساسي لها، لأن لديها مصالح محلية خاصة بها تختلف أحياناً عن المصالح الإيرانية".
ولفت إلى أن "هامش الحرية هذا يُفيد حلفاء إيران وفصائلها، ويفيدها لأنه تعطي انطباعاً بأن طهران لا تملك تأثيراً كبيراً عليهم من من جهة، وجهة أخرى تبقى على تواصل مع المجتمع الدولي عبر تملصها هذا".