فيما تواصل إسرائيل قصف قطاع غزة والمستشفيات بالصواريخ، تعيش النساء الحوامل أوضاعاً مأساوية لا يمكن وصفها في ظل غياب تام للخدمات الصحية في القطاع المحاصر منذ 7 أكتوبر الفائت.
فقد كشفت منظمة "أكشن إيد"، اليوم الثلاثاء، أن العمليات القيصرية للنساء يتم إجراؤها في مستشفيات قطاع غزة دون تخدير، أو أدوية مسكنة.
كما أوضحت المنظمة غير الحكومية في تقريرها، أن الطاقم الطبي العامل في مستشفى العودة، الذي يديره شريك منظمة أكشن إيد الدولية، قد أجرى 16 عملية قيصرية نهاية الأسبوع الماضي، في ظل ظروف قاسية وصعبة للغاية، إذ قاموا بتوليد ما بين 18 و20 طفلا يوميا، على الرغم من نقص الإمدادات الطبية الحيوية مثل التخدير.
وقالت مسؤولة التواصل والمناصرة في منظمة "أكشن إيد فلسطين" رهام جعفري إن "آلاف النساء في غزة يخاطرن بحياتهن من أجل الولادة، ويخضعن لعمليات قيصرية وعمليات طارئة دون تعقيم أو تخدير أو مسكنات، ولا بد أن تتمتع النساء برعاية صحية جيدة والحق في الولادة في مكان آمن، وبدلا من ذلك، يتم إجبار النساء على إحضار أطفالهن إلى العالم وسط ظروف جهنمية تماما".
أصعب تجربة
في هذا السياق، روت والدة مولود حديث تجربتها وهي التي وضعت ابنها السابع ونزحت مع أطفالهما من منزلهم في جنوب شرق مدينة رفح إلى مدرسة تابعة للأمم المتحدة.
وقالت فدوى كلاب "ولادة هذا الطفل كانت أصعب تجربة مررت بها، فأنا أشعر بعجزي عن حماية أطفالي وتوفير أي نوع من متطلبات الحياة لهم، وسبّب لي ذلك اكتئاباً حاداً وأثّر على علاقتي بهم لأنني أصبحت متوترة جداً" مؤكدة أن حتى إمكانية الرضاعة الطبيعية غير متوفرة.
لا حليب.. ولا رضاعات
وتابعت: "اضطررت إلى اللجوء للحليب الصناعي منذ ولادة طفلي لأنني أعاني من نقص التغذية، وحتى هذا الحليب غير متوفر باستمرار، فأجد نوعاً ولا أجده في المرة الثانية فأستخدم نوعاً آخر ما يسبّب له مغصاً".
كما قالت "الحفاضات غير متوفرة أيضاً أصيب الطفل بتسلّخات جلدية شديدة وبات ينزف لأنني حاولت ترك الحفاض عليه لأطول فترة ممكنة".
وتأمل فدوى بأن تجد في المدرسة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) حيث نزحت ملاذاًَ آمناً يحميها من قصف إسرائيل المكثّف على القطاع منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر الفائت.
يرقان.. ولا علاج
وفي قصة مأساوية أخرى، تحمل نجوى سالم (37 عاماً) ابنها الثاني البالغ عشرة أيام ملفوفاً ببطانيات سميكة. حيث يعاني صغيرها من اليرقان بينما خرجت أكثر من نصف مستشفيات القطاع من الخدمة، ولا تملك المستشفيات الأخرى ما يكفي من الوقود لتوفير جلسات العلاج الضوئي لحالته.
وقالت: "وضع ابني الصحي صعب وليس لدي حفاضات أو حليب أو حتى ملابس".
عملية قيصرية
وروت أنها خضعت "لعملية قيصيرية في 28 تشرين الأول/أكتوبر"، ومكثت في المستشفى ليلة واحدة. وقالت "أعاني من التهابات مكان الجرح ويزداد وضعي سوءاً بسبب قلة النظافة ولا أملك نقوداً لدفع ثمن العلاج".
ويشكل الغبار الكثيف الناجم عن القصف والمنتشر في كل مكان تهديداً آخر، وخصوصاً لصحة الأطفال، علماً أنه بهدف تقليل مخاطر الأضرار العصبية لليرقان، يجب أن يتعرض الطفل لضوء النهار.
"قد أفقده في أي لحظة"
أما أم إبراهيم عليان، فهي أم لخمسة أطفال وحامل في شهرها الثامن. كما أنها لجأت مع عائلتها إلى المدرسة التابعة للأونروا في رفح منذ أكثر من أسبوعين بعد تعرّض مستشفى النصر للأطفال في حي النصر لقصف عنيف وتضرر منزلهم المجاور.
وقالت "انتقلنا من مدينة غزة إلى وادي غزة سيراً على الأقدام، مشينا لساعات والقصف فوق رؤوسنا وإطلاق النار حولنا ثم نقلتنا سيارة تابعة للأونروا إلى هنا".
كما تابعت "جراء السير لمسافات طويلة وصوت الغارات ورائحة الفوسفور والدخان أصبت بسعال وبدت علي أعراض الولادة المبكرة".
وقالت "ذهبت إلى مستشفى قبل ثلاثة أيام حيث أبقوني هناك ومنعوني عن الحركة إطلاقاً.. وجئت اليوم إلى المدرسة على مسؤوليتي لأطمئن على أطفالي بسبب عدم إمكانية الاتصال بهم وسأعود إلى المستشفى فوراً".
وأضافت "أعاني من أزمة صدرية ومناعتي ضعيفة، وأخبرني الأطباء أن الجنين أيضا قد يعاني من أزمة"، مضيفة "أشعر أنني قد أفقده في أي لحظة".
بعد الولادة بـ3 ساعات يغادرن
وأكد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية دومينيك ألين أن تقديرات الصندوق "تشير إلى أنّ 15% من الولادات على الأقل سوف تنطوي على مضاعفات تتطلب رعاية توليدية"، وهو أمر غير متوفر في غزة التي مزقتها الحرب.
ويصف صندوق الأمم المتحدة للسكان الوضع بأنه "كابوس".
وأكد أن نساء يغادرن المستشفى بعد ثلاث ساعات من الولادة، وأن المستشفيات تعاني من نقص في الدم ما يعرقل علاج المصابات بنزيف ما بعد الولادة، مضيفاً أن إغلاق الندبات القيصرية وقطع الحبل السري تتم بدون أي محلول مطهر.
قطرة في بحر الاحتياجات
وتمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من إدخال 8 آلاف "علبة من أدوات النظافة الصحية" تحتوي، من بين أشياء أخرى، على لوازم لقطع الحبل السري، وبطانية لتدفئة الأطفال حديثي الولادة".
ويمثل ذلك قطرة في بحر احتياجات 2,4 مليون شخص في قطاع غزة، وخصوصاً النساء الحوامل اللواتي يُجبرن أحيانا على الولادة في مخيمات أو على الطريق.