يسهم الزخم المتواصل الذي تشهده جاذبية دبي الاستثمارية، وتقاطر الشركات ورواد الأعمال من مختلف أنحاء العالم، للاستفادة من الفرص الواعدة التي تقدمها الإمارة، في ارتفاع الطلب على المكاتب، ويأتي في ظل محدودية العرض من المكاتب ذات الجودة العالية في مناطق الأعمال الرئيسة، ما انعكس على ارتفاع أسعار البيع والإيجار في هذه المناطق، وبالرغم من هذا الارتفاع المتواصل، إلا أن أسعار المساحات المكتبية في مناطق الأعمال المركزية بدبي، لا تزال في مستويات تنافسية مقارنة مع عواصم المال والأعمال في العالم.
حجم المبيعات
وشهد الربع الأول من العام الجاري 636 صفقة بيع لمكاتب تجارية، بقيمة تجاوزت مليار درهم، وبلغت المساحة الإجمالية للمكاتب المباعة 906370 قدماً مربعة، وذلك وفقاً لبيانات دائرة الأراضي والأملاك في دبي.
واستحوذت منطقة الخليج التجاري على أكبر صفقات بيع المكاتب في دبي، خلال أول 3 أشهر من العام، حيث سجلت 337 صفقة بيع بقيمة 547 مليون درهم، تلتها أبراج بحيرات جميرا بـ 220 صفقة بقيمة 276 مليون درهم، وسجلت واحة دبي للسليكون 22 صفقة بيع لمكاتب بقيمة 11.4 مليون درهم.
وفي ما يتعلق بأكبر صفقات بيع للمكاتب في دبي خلال الربع الأول، فقد تصدرتها صفقة بيع لـ 8804 أقدام مربعة من المساحة المكتبية بقيمة 49.4 مليون درهم، في منطقة برج خليفة، تلتها صفقة بيع لـ 4186 قدماً مربعة في منطقة الخليج التجاري، بقيمة 22.4 مليون درهم.
وفي تصريحات لـ «البيان»، أوضح علي سجواني، العضو المنتدب لشركة داماك العقارية، أنه وبعد نجاح دبي في التعامل بشكلٍ استثنائي وناجح مع جائحة كوفيد 19، ارتفع الطلب على المساحات المكتبية في الإمارة، مدفوعاً بمجموعة من العوامل، يأتي من أبرزها عودة عجلة النشاط الاقتصادي إلى الدوران بوتيرة متسارعة، إلى جانب محدودية توافر المساحات المكتبية عالية الجودة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الإيجارات بشكلٍ ملحوظ، لتصل إلى مستويات ما كانت عليه قبل الجائحة.
وبحسب التقرير الصادر عن «جي إل إل» المتخصصة في الاستشارات العقارية، فقد ارتفعت إيجارات المساحات المكتبية من الفئة «أ» في منطقة الأعمال المركزية في دبي، خلال الربع الأخير من عام 2022، بنسبة 21 %، مقارنة بالعام الذي سبقه، مسجلةً متوسطاً بلغ 2,100 درهم للمتر المربع سنوياً.
مستثمرون دوليون
ولفت سجواني إلى أن العامل الأبرز لنمو الطلب على المكاتب، يتجسد في ارتفاع أعداد الرخص التجارية الجديدة في دبي، نتيجة استقطاب المستثمرين الدوليين من مختلف أنحاء العالم، وتخطي جائحة كوفيد 19، وعودة الكثير من الشركات إلى نظام العمل من المكاتب، بالإضافة إلى محدودية العرض في بعض المناطق الحيوية في دبي.
ورداً على سؤال حول أفضلية تملك المكاتب أو استئجارها بالنسبة للشركات من ناحية التكاليف، قال سجواني: «لكلٍّ منها إيجابياته وسلبياته، والأمر يعود بطبيعة الحال إلى نشاط الشركة وحجمها وطبيعة عملها. التملك يمنح الشركة استقراراً أفضل، لا سيّما إن كان في منطقة أعمال تشهد نشاطاً متزايداً، وهو ما يرفع من قيمة العقار أيضاً.
وبرأيي، فإن التأجير هو خيار أفضل للشركات الناشئة الصغيرة الحجم، لأنه يخفف من حجم الأعباء المالية والمصاريف على الشركة، خصوصاً في بداية انطلاقتها، ويمنحها الفرصة لاستثمار رأس المال في أنشطة الشركة، بدلاً من تجميده في شراء العقار».
انتعاش سريع
ومن جانبه، قال فراز أحمد مدير أول في شركة «جيه إل إل» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن قطاع المكاتب في دبي شهد تحولاً كبيراً وانتعاشاً سريعاً بعد الجائحة، مدعوماً بثلاثة عوامل، هي: التوجه نحو الجودة، ومحدودية المعروض، والداخلون الجدد إلى السوق.
ومن ناحية العرض، لم تكتمل كثير من مشاريع العقارات المكتبية خلال الربع الأول، وأدى ذلك إلى استقرار المخزون عند 3.9 ملايين متر مربع (41.9 مليون قدم مربعة)، علماً أنه من المقرر تسليم نحو 100 ألف متر مربع (مليون قدم مربعة)، من المساحات المكتبية في الإمارة، حتى نهاية العام، بحسب أحمد.
ولفت أحمد إلى أن انتعاش سوق المكاتب في دبي، استمر بعد الزخم القوي الذي شهده العام الماضي، إذ ارتفع الطلب على المساحات المكتبية عالية الجودة، التي توفر بيئة عمل صحية وحيوية، تدعم تجارب الموظفين.
ونتيجة لذلك، ارتفع متوسط إيجارات هذه الفئة في منطقة الأعمال المركزية بدبي، خلال الربع الأول من عام 2023، بنسبة 16 %، مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 2140 درهماً للمتر المربع في السنة. ومع ذلك، سجلت المساحات المكتبية في بعض المناطق أداءً أفضل، كما في مركز دبي المالي العالمي، حيث يزيد متوسط الإيجارات عن 2900 درهم للمتر المربع.
وليس غريباً أن يسهم ارتفاع الطلب على المكاتب وقلة المشاريع المسلّمة، إلى انخفاض المساحات المكتبية المتاحة في منطقة الأعمال المركزية بدبي، حيث انخفض معدل المساحات الشاغرة في منطقة الأعمال المركزية إلى 11 %، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023.
وأضاف أحمد: بعودة المؤسسات في جميع أنحاء العالم إلى استئناف العمل من المكاتب، يشهد مكان العمل ذاته تطوراً ملحوظاً، ما يستلزم تحولاً على المدى الطويل في المحفظة العقارية للشركات، للنجاح في عالم ما بعد الجائحة. ووفقاً لـ «استطلاع رأي مستقبل العمل»، الذي أجرته شركة «جيه إل إل»، اتفق 77 % من شركات العقارات التجارية الرائدة، على أن الاستثمار في المساحات المكتبية عالية الجودة، سيكون له الأولوية الأكبر من التوسع في مشاريعهم الإجمالية.
وأسهمت توقعات الموظفين في جعل التطلعات البيئية والاجتماعية من التوجهات السائدة في العمل، فأصبحت المؤسسات تمنح الأولوية للحلول المعنية بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، لتعزيز الاستدامة في المستقبل، بحسب أحمد، ووفقاً للنسخة الثامنة من تقرير «جيه إل إل» لرصد أسعار إيجارات المساحات المكتبية المميزة، الذي يقدم لمحة سريعة عن سوق المكاتب المميزة العالمي، أصبحت شهادات اعتماد المباني الخضراء الآن، مطلباً فعلياً للمكاتب المميزة.
وأشار أحمد إلى أن النسخة الأخيرة من تقرير «جيه إل إل» لرصد أسعار إيجارات المساحات المكتبية المميزة، والذي يرصد تكاليف استئجار المكاتب في 134 سوقاً في 116 مدينة، قد كشفت عن احتفاظ هونغ كونغ بمكانتها كأغلى سوق للمكاتب في العالم. وحل وسط مدينة نيويورك في المرتبة الثانية عالمياً، بينما جاءت أسواق لندن ويست إند، وشارع بكين المالي، ووادي السيليكون في المراتب الثلاثة اللاحقة. وحلت دبي في المرتبة 16 (بعدما كانت في المركز 36 عام 2021)، بتكلفة إشغال قدرها 103 دولارات للقدم المربعة سنوياً، على أساس صافي المساحة القابلة للتأجير.
الأعمال الجديدة
وبدوره، أشار سوابنيل بيلاي مدير قسم الأبحاث في الشرق الأوسط لدى شركة الاستشارات العقارية «سَفِلز»، إلى أن سوق المكاتب في دبي، شهدت انتعاشاً قوياً في النشاط خلال العامين الماضيين. فقد اكتسبت حركة النمو التي كانت واضحة منذ بداية النصف الأول من عام 2020، زخماً طوال العامين الماضيين، مع إبرام صفقات صغيرة ومتوسطة في جميع أنحاء المدينة.
ويتمثل هذا الارتفاع في نشاط التداول أيضاً في عدد تراخيص الأعمال الجديدة، التي تم إصدارها من قبل حكومة دبي. وأوضح بيلاي أن سوق المكاتب في دبي، استفادت بشكل كبير من التدابير الإيجابية والاستباقية التي اتخذتها الحكومة، لضمان استمرارية الأعمال، بالإضافة إلى حماية صحة سكانها وزوارها. وقد لاقت هذه السياسات ترحيباً حسناً من قبل المجتمع العالمي للأعمال، الذي ينظر الآن إلى دبي على أنها خيار بديل لتوسيع وتنمية أعمالهم.
وعبر مستويات الاستفسارات التي وردت من شركات متعددة الجنسيات على مدار الأشهر القليلة الماضية، يتضح هذا الاتجاه بشكل واضح - فقد زاد عدد الشركات التي تستكشف خيارات المكاتب في جميع أنحاء المدينة لإعادة توطين جزء من عملياتهم التجارية في الإمارة.
ولفت بيلاي إلى أنه، ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن شركة «سَفِلز» لتكاليف المكاتب الرئيسة، تم تصنيف دبي كعاشر أغلى سوق للمكاتب في العالم، بتكلفة فعالة صافية للإشغال بلغت 108.66 دولارات أمريكية للقدم المربعة الواحدة سنوياً. وتأتي أعلى ثلاث أسواق في هونغ كونغ، بتكلفة تبلغ 248.41 دولاراً، ولندن بتكلفة تبلغ 218.35 دولاراً، ونيويورك (ميدتاون) بتكلفة تبلغ 168.54 دولاراً للقدم المربعة الواحدة سنوياً.
المساحات المرنة
وكان تقرير صادر عن «سَفِلز»، قد أظهر أن دبي احتلت المرتبة 18 ضمن قائمة أكثر الأسواق العالمية نمواً في قطاع مساحات العمل المكتبية المرنة، ما يسلط الضوء على إمكانات وفرص النمو التي توفرها الإمارة لمزودي الخدمات والمستأجرين، على حدٍ سواء.وشهد سوق مكاتب دبي نمواً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، حيث ازداد الطلب على المساحات المكتبية المرنة، بسبب انتعاش النشاط الاقتصادي في المنطقة، والآفاق الإيجابية لاقتصادات دولها.
وتشهد دبي، وتماشياً مع التوجهات العالمية، زيادةً ملحوظة وثابتة في أعداد مزودي المساحات المرنة، خلال السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من أن حصتهم من سوق المكاتب الإجمالي لا تزال محدودة حتى الآن، تزداد أهمية مشاركتهم مع دخول المزيد من المزودين إلى السوق، وتعزيز المزودين الحاليين لحضورهم فيه.