ربما كان عام 2022، الأصعب على الجنيه المصري منذ التعويم الأول في نوفمبر من العام 2016، إذ كان يجري تداول الدولار في السوق المصرية عند مستوى 8.88 جنيه.
وكانت الحكومة المصرية تتحمل الفارق بين السعر العادل لصرف الدولار وسعره في السوق الرسمية، ما كان يتسبب في ارتفاع فاتورة الإنفاق العام وما يستتبع ذلك من ضغوط على المالية العامة تتحول في النهاية إلى عجوزات ضخمة.
منذ العام 2016 وحتى نهاية العام الماضي 2022، شهد الجنيه المصري تحركات كثيرة، ففي نهاية العام ووفق المفاوضات التي بدأت مع صندوق النقد الدولي في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، ترك البنك المركزي المصري سوق الصرف دون تدخل إلى أن وصل سعر صرف الدولار في نهاية العام إلى مستوى 19.6 جنيه.
وجاء العام 2017 ليشهد وتيرة تراجع سعر صرف الدولار ليستقر في بداية العام 2018 عند مستوى 15.75 جنيه.
لكن التغيرات الكبيرة شهدها عام 2022 والتي بدأت بإعلان تخارج نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية.
ونتيجة لزيادة الإنفاق العام وما تطلبته التداعيات العنيفة التي خلفتها جائحة كورونا، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية التي شهدها العالم وخاصة الحرب الروسية في أوكرانيا، مع ارتفاع معدلات التضخم العالمي واتجاه البنوك المركزية بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة على الدولار، فقد بدأ المستثمرون رحلة العودة إلى الدولار الأميركي التي سجلت ارتفاعات قياسية مقابل جميع العملات.
مكاسب الدولار في السوق الرسمية
في خضم المعركة وخلال شهر مارس الماضي، بدأت الحكومة المصرية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على حزمة تمويلية جديدة.
ووفق المفاوضات، فقد بدأ الجنيه المصري يدخل مرحلة جديدة في عهده مع الدولار الأميركي، حيث قرر البنك المركزي المصري رفع سعر صرف الدولار من مستوى 15.75 جنيه حتى وصل إلى نحو 24.79 جنيه في الوقت الحالي، ليقفز سعر صرف الدولار خلال عدة أشهر بنسبة تتجاوز 57%.
ومع تحرك سعر صرف الدولار في السوق الرسمية، بدأت السوق السوداء في الظهور من جديد. كما أنه ومع زيادة حدة المضاربات على الورقة الأميركية، فقد واصلت الارتفاع في السوق غير الرسمية نك المركزي المصري لضبط أداء سوق الصرف والقضاء على تجارة الدولار والمضاربات.
خسائر حادة للمضاربين
وبفعل المضاربة على الدولار في مصر قفز في تعاملات السوق الموازية ليتجاوز نحو 36.5 جنيها، وكان تجار الذهب يقومون بتسعيره قرب مستوى 40 جنيها، ما ساهم في تفاقم حدة المضاربات، ما أغرى شرائح جديدة للمضاربة على الدولار سعيا منهم للاستفادة من الارتفاعات المتوالية، إلا أن الحكومة فطنت لهذا الأمر واتخذت الكثير من الإجراءات لمعالجة هذه الأزمة، والتي بدأت بتوفير الدولار في البنوك نسبيا للمستوردين والإفراج عن البضائع المكدسة في الموانئ، حيث بلغت قيمة ما تم الإفراج عنه خلال شهر ديسمبر الماضي فقط نحو 6.25 مليار دولار، وذلك بعد تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي وتوجيه الحكومة بإنهاء الأزمة خلال أسبوعين.
وكانت هذه الخطوات كلمة السر في ضبط إيقاع الدولار في السوق السوداء، وسرعان ما تحولت المضاربات على الدولار إلى خسائر حادة، فمن قاموا بشراء الدولار عند مستويات سعرية فوق الـ30 جنيها، تكبدوا خسائر فادحة، بحسب حديث الكثيرين منهم على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي المتخصصة لمتابعة حركة سوق الصرف في مصر.
ومن خلال 14 إجراء اتخذها البنك المركزي المصري خلال الفترة الماضية، تحولت المضاربات على الدولار من مكاسب قياسية إلى خسائر حادة وعنيفة.
نظام الاعتمادات المستندية
بداية الإجراءات كانت بإعلان البنك المركزي المصري إلغاء قراره بشأن العمل بنظام الاعتمادات المستندية فقط، الصادر في فبراير، وقبول مستندات التحصيل لتنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، وبالفعل شهد شهر ديسمبر الماضي انتهاء العمل بهذه الآلية، وأعلنت الحكومة الإفراج عن بضائع ومنتجات بقيمة 6 مليارات دولار خلال أقل من 3 أسابيع، مع تأكيدات رسمية بانتهاء الأزمة خلال الأيام المقبلة.
كما وجه البنك المركزي، البنوك العاملة في السوق المصري، بتدبير النقد الأجنبي وفتح حدود البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر للاحتياجات بالعملة الأجنبية لأغراض التعليم والعلاج بدون حدود قصوى، وذلك عند طلب العميل لتلك الاستخدامات، وتقديم المستندات المؤيدة لذلك.
وبتعليمات من البنك المركزي، قررت بنوك مصرية تقييد الإنفاق الدولي من بطاقات الائتمان والخصم الفوري لبعض فئات التجار، ومن بينهم تجار الذهب والمجوهرات.
ووجّه البنك المركزي المصري خطابا للمصارف في حالة عدم ورود حصيلة العمليات التصديرية الخاصة بالذهب خلال مدة أقصاها 7 أيام عمل من تاريخ الشحن، وبعد متابعة المصرف للعميل 3 أيام عمل تالية فقط، يتعين عليه إبلاغ البنك المركزي المصري.
حظر إساءة استخدام بطاقات الائتمان
وفي إطار الإجراءات، طلب البنك المركزي المصري من البنوك العاملة في السوق المصرية، ضرورة إخطار العملاء بأي من وسائل الاتصال بأنه يحظر إساءة استخدام البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر خاصة العملاء الذين لا يغادرون البلاد.
وبتعليمات من "المركزي" أيضا، رفعت البنوك العاملة في السوق المصرية، نسبة العمولة على السحب النقدي للدولار والمشتريات خارج مصر إلى 10% بدلا من 3%.
كما قررت البنوك تعديل حدود السحب النقدي بالعملات الأجنبية على جميع البطاقات، وتعديل حدود وتقييد استخدام البطاقات على بعض عمليات الشراء من الخارج.
وطالب "المركزي" المصري، البنوك بالتحقق من عمليات الشراء من الخارج لعملاء عبر بطاقاتهم المصرفية والتأكد من مغادرتهم فعليا للبلاد أثناء توقيت عمليات الشراء.
أيضاً، فقد تقرر إعفاء العملاء من كافة المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات البنكية للأفراد والتي تتم من خلال القنوات الإلكترونية بالجنيه المصري.
كما تقرر زيادة حدود السحب النقدي والإيداع بالعملية المحلية من مستوى 50 ألف جنيه للسحب والإيداع، إلى 150 ألف جنيه للسحب، ودون أقصى للإيداع.
وفي إبريل الماضي، أعلن البنك المركزي المصري إعفاء عملاء المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية، من كل المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات اللحظية، حيث تعد المنظومة من أهم مشروعات البنية التحتية لنظم الدفع التي يرعاها البنك المركزي المصري لتكون بديلًا متكاملًا للمدفوعات النقدية يتيح كافة خدمات التحويلات للعملاء لحظياً طوال أيام الأسبوع على مدار 24 ساعة.
وتقرر إلغاء كافة رسوم تفعيل خدمات التحصيل الإلكتروني عبر الإنترنت للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي ترغب في تفعيل هذه الخدمة، وذلك لتحفيز الشركات على التوسع في استخدام الخدمات المالية الرقمية.
كما قرر البنك المركزي المصري، تطبيق سياسة تسعيرية جديدة على خدمات التحويل من خلال محفظة الهاتف المحمول.
وأعفى جميع العملاء من مصروفات التحويل لأول معاملة شهريا للتحويل من أي محفظة هاتف محمول إلى أي محفظة أخرى.
وتقرر أيضا وضع حد أقصى للمصروفات التي يتحملها العميل لمعاملات التحويل الأخرى التي تتم بين محافظ الهاتف المحمول التابعة لنفس مقدم الخدمة بحيث لا تزيد قيمتها عن 1 جنيه فقط.
أما بالنسبة لمعاملات التحويل التي تتم بين أي محفظتي هاتف محمول غير تابعتين لنفس مقدم الخدمة فقد تم تعديل التسعير القائم ليكون بحد أقصى 15 جنيه للمعاملة.