مع إغلاقات كوفيد-19 والاضطرابات السياسية والتكاليف المرتفعة التي صعّبت الحياة على العمالة الأجنبية في هونغ كونغ، وزيادة المنافسة من سنغافورة على مستوى العمالة الوافدة، يواجه المحترفون الشباب الذين يبحثون عن المغامرة والمهن في الخارج معضلة. إذ بات السؤال الأهم عن أفضل النقاط الساخنة العالمية في المستقبل لجذب مجتمع دولي نابض بالحياة بوظائف ذات رواتب عالية وأنماط حياة فاخرة وبأسعار معقولة؟
وفي الوقت الذي أصدرت فيه بلدان مثل كوراكاو، والرأس الأخضر، تأشيرات رقمية للرحالة المتجولين على شبكة الإنترنت، فإن بناء قاعدة مواهب عالمية كبيرة والاحتفاظ بها يتطلب أكثر من مجرد شاطئ واتصال واي فاي. ففي عالم أعيد تشكيله بالعدوى والغزو والتضخم، تتحدى مجموعة من المدن النظام القديم، وتجذب الشركات الكبيرة والناشئة لصقل أوراق اعتمادها كمدينة عالمية. لتظهر وسط هذا الزخم 6 مدن أمام العمال الأجانب كأفضل أماكن للعيش والعمل، وفقاً لروايات رحالة تجوّلوا حول العديد من المدن، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه "العربية نت".
كوالا لمبور
لطالما طغت عليها سنغافورة المجاورة كوجهة للعمال الوافدين، إذ أصبحت العاصمة الماليزية جذابة بشكل متزايد للشركات العالمية بسبب قوتها العاملة الناطقة باللغة الإنجليزية، وسهولة رحلات الطيران في جميع أنحاء المنطقة والقدرة على تحمل التكاليف النسبية. وفي عام 2021، احتلت المدينة المرتبة الأولى في دراسة استقصائية عالمية لحوالي 12000 وافد أجرتها InterNations، وسجلت أعلى معدلات الإسكان.
ونقلت كارولين بوغو، التي انتقلت إلى كوالالمبور مع زوجها وابنها البالغ من العمر 10 سنوات تجربتها بعد 15 عاماً عاشتها داخل المدينة قائلة: "إن ماليزيا دولة على مفترق طرق للعديد من الحضارات: جنوب شرق آسيا، والصين، والشرق الأوسط، والهند". "هناك الكثير من التنوع الثقافي واللغوي، ولكن هناك انسجام حقيقي في كل هذا التنوع."
وتنفق حوالي 3000 رينجت (682 دولاراً أميركياً) شهرياً على الإيجار، وتعمل كمستشارة لترتيب الفعاليات والمؤتمرات.
وقالت بوغو، 47 سنة، "في شنغهاي، كل شيء سريع للغاية، كنت أعمل بجد للغاية. لكن بمجرد مغادرتي، أدركت أن الأمر يشبه تعاطي المخدرات طوال الوقت. الآن، الأمور أكثر توازناً بالنسبة لي".
تعد لشبونة واحدة من أقدم المدن في أوروبا، وقد أعادت اكتشاف نفسها كوجهة محببة، حيث استضافت أحداثاً مثل قمة الويب السنوية وتقدم مزيجاً من الثقافة والحياة الليلية والطقس الدافئ في مكان يسهل الوصول إليه من بعض الشواطئ الأكثر روعة في أوروبا.
وصف موقع ديسباتشز للمغتربين العام الماضي المدينة بأنها "وجهة المغتربين الأكثر شعبية في أوروبا في الوقت الحالي"، تتمتع لشبونة بازدهار تنجلي آثاره في ارتفاع أسعار العقارات بشكل مطرد مع تدفق المهاجرين الأثرياء الذين يشترون منازل في العاصمة أو على طول ساحل الغارف أسطورة البرتغال.
وفي أغسطس الماضي، استبدلت أليسون باكسلي وعائلتها شقتها المستأجرة البالغ مساحتها 800 قدم مربع في بروكلين والتي كانت تدفع لها 4300 دولار شهرياً، بمنزل من 3 غرف نوم مع مسبح على الساحل البرتغالي بنصف السعر تقريباً، وهي خطوة وصفتها بأنها "الهروب من سباق الفئران".
وقالت إن كاسكايس - وهي منطقة ساحلية أنيقة على طول الساحل من العاصمة البرتغالية، هي "نقطة هبوط جيدة للمغتربين"، مع مجتمع دولي ومدارس جيدة.
وأضافت باكسلي، البالغة من العمر 39 سنة، "لقد جٌنّت نيويورك في الوباء: السياسة، معدلات الجريمة كانت تتصاعد في جميع أنحاء البلاد. وكنت قلقة على أطفالي خاصةً وأنهم في مرحلة التنشئة".
وتابعت: "أسعار العقارات في لشبونة ترتفع لكنها ليست فلكية، وحلم تملك عقار في نيويورك أشبه بالمستحيل".
كما أضافت: "في نيويورك، أنت تعمل بجد طوال الأسبوع. وبحلول نهاية الأسبوع تكون قد استنفدت. لكن هنا يمكنني الاستمتاع بكل يوم".
دبي
ظل الصراع بين إمارة دبي وهونغ كونغ وسنغافورة مشتعلاً على حركة الوافدين منذ أكثر من عقد حتى الآن، وقد أدى الجمع بين الوباء والحرب في أوروبا إلى جعل الإمارة أكثر شعبية. إذ استثمرت دبي المليارات في إنشاء مدينة المستقبل بناطحات السحاب والبنية الهندسية الساحرة.
انتقل بيرند هانكي، الشريك في صندوق مقره لندن، إلى دبي خلال الوباء هرباً من جولات الإغلاق وإجراءات كوفيد في شتوتغارت، حيث كان يقيم لمدة 9 أشهر، لينضم إلى عدد متزايد من المتخصصين الماليين الذين ينتقلون إلى مدينة تعزز أسواقها المالية والعملات المشفرة.
ويستمتع هانكي بالاستيقاظ على منظر ملعب الجولف الأخضر المورق من مكان إقامته في تلال الإمارات، فضلاً عن المناخ الأكثر دفئاً، على الرغم من أن درجات الحرارة في الصيف خارج المنازل ومراكز التسوق المكيفة يمكن أن تصل إلى 45 درجة مئوية (113 فهرنهايت). وتتميز دبي بأنها في منطقة زمنية مماثلة لأوروبا وتجعل من السهل عليه الوصول إلى المستثمرين المقيمين في المملكة المتحدة في صندوق الأسهم الخاص به الذي تبلغ قيمته 400 مليون دولار.
وقال هانكي البالغ من العمر (48 عاما) الذي تعيش عائلته في لندن "تعاملت دبي مع الوباء بشكل جيد للغاية ولم يكن هناك إغلاق تقريبا." الآن يفكر فيما إذا كان سيجعل الانتقال أكثر ديمومة وشراء عقارات في دبي.
بنغالور
أصبحت بنغالورو، أو بنغالور كما يطلق عليها العديد من السكان المحليين والمغتربين، واحدة من أسرع مراكز التكنولوجيا نمواً في العالم، موطناً لآلاف الشركات الناشئة وشركات البرمجيات، مدعومة بأموال من شركات التكنولوجيا العالمية والمستثمرين الأجانب البارزين مثل سيكويا كابيتال وغولدمان ساكس. إذ يتدفق رأس المال الاستثماري إلى المدينة الهندية الجنوبية بشكل أسرع من لندن أو سان فرانسيسكو حسب أحد التقديرات، حيث ارتفع إلى 7.2 مليار دولار في عام 2020 من 1.3 مليار دولار في عام 2016.
وحكى جوزيف كيم، الذي غادر منطقة خليج سان فرانسيسكو العام الماضي لإنشاء استوديو ألعاب في المدينة الهندية، عن تجربته مع الانتقال إلى المدينة، حيث قال: "تظهر مراكز ابتكار جديدة في جميع أنحاء العالم، وأرى بنغالور مركزاً مزدهراً". "يشعر الناس بالاستياء بشكل متزايد من وادي السيليكون، وسياساته، ومعدلات الجريمة، وحالة التعليم الكئيبة"، وهي مجموعة من العوامل، كما يقول، تؤدي إلى "نزوح جماعي" من قلب التكنولوجيا في الولايات المتحدة حيث أمضى معظم حياته المهنية.
وبعد حضور مؤتمر ألعاب في الهند في عام 2020، انضم كيم إلى مؤسسين مشاركين آخرين لبدء شركته الناشئة Lila Games Pvt في حي Indiranagar المزدحم في شرق بنغالورو، كما حصل على دعم من سيكويا.
وقال كيم، الذي تخرج من كلية الهندسة من جامعة كاليفورنيا في بيركلي وحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا: "لقد درسنا في فنلندا وأميركا اللاتينية وكندا قبل أن نستقر في بنغالور". "الناس هنا متعطشون للتعلم".
ومع ذلك، مثل المواقع الأخرى في شبه القارة الهندية، يمكن أن تمثل بنغالورو تحدياً لأولئك الذين اعتادوا على المدن في العالم الغربي، وتبقى زوجة كيم وأطفالها في سانتا كلارا حيث يزورهم مرة واحدة كل ربع سنة.
وقال: "تبدو أشياء كثيرة في بنغالور غير مكتملة، بما في ذلك الطرق والمباني، ويبدو أن الجميع في عجلة من أمرهم للوصول إلى الشيء التالي". "ولكن للمرة الأولى منذ فترة طويلة، أشعر أنني أفعل شيئاً يستحق العناء".
مكسيكو سيتي
وفيما قد يبدو الامتداد الحضري الشاسع لما يقرب من 22 مليون شخص، مكسيكو سيتي مرشحاً غير محتمل لملاذ للمغتربين، لكن أقدم عاصمة في الأميركتين تكتسب اهتماماً سريعاً كمركز لرجال الأعمال والشركات الناشئة في أميركا اللاتينية. إذ تصدرت المكسيك الترتيب العالمي في تصنيف InterNations لعام 2022 لأفضل البلدان للعيش فيها وعاصمتها المرتفعة هي موطن للأجانب من جميع أنحاء العالم.
انتقل بريان ريكارث، الرئيس التنفيذي لمنصة إنشاء الشركات الناشئة Latitud، مع عائلته في يوليو إلى حي توني بولانكو بالعاصمة المكسيكية. قال: "إنها أشبه بـ بيفرلي هيلز في مكسيكو سيتي". "خيالية للغاية ولكنها آمنة".
وقارن ريكارث بين بلدته الصغيرة في كاليفورنيا، حيث يذهب أطفاله إلى المدرسة العامة. والتي وصفها بأنها صغيرة جداً. وقال: أطفالي صدموا عندما زاروا مدرستهم الجديدة في مكسيكو سيتي، "إنها ضخمة، وأكبر 20 مرة من المدرسة التي يذهبون إليها الآن، وهناك ستاربكس! يبدو الأمر وكأنه حرم جامعي بدلاً من مدرسة حي صغير".
ريو دي جانيرو
تزخر العاصمة السابقة للإمبراطورية البرتغالية، المشبعة بالسحر في معظم القرن العشرين، بخلفية أيقونية من الجبال المغطاة بالأشجار والتي تحيط بأحد أكثر الموانئ الطبيعية روعة في العالم. بينما عانت المدينة من التراجع في التسعينيات، طغى عليها المركز المالي ساو باولو، فيما استمرت الأجواء الهادئة وشواطئ ريو المشهورة عالمياً في جذب الأجانب الذين ينتقلون إلى أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية.
وقالت ماري ألاسور، البالغة من العمر 31 عاماً، والتي تدير عمليات B2B في منصة العقارات البرازيلية Loft: "إنني مندهشة من عدد الأجانب الذين أجدهم يعملون هنا".
فبعد فترة قضتها في هونغ كونغ والعمل مع أوبر في ساو باولو والمكسيك ولندن، كانت ألاسور وصديقها البرازيلي يفكران في الانتقال إلى إسبانيا أو البرتغال، لكنهما قررا في الأشهر الأولى من عام 2020، قبل أن يسيطر الوباء على العالم، لتجربة ريو.
وقالت: "أشعر أنني في المنزل". "هناك روح أوروبية هنا - إنها باريس البرازيلية".
ومن خلال زميلة سابقة في أوبر، حصلت ألاسور على عمل في Loft وقسمت ساعات عملها بين منزلها ومكتب الشركة وAussie Coffee Hangout، وهو مقهى ومخبز محلي يقدم خبز الموز الأبيض وخبز الموز المصنوع منزلياً. ووفقاً لروح ريو السهلة، فإنها تقضي جزءاً من صباحها في التأمل أو المشي على الشاطئ، وتخصص بعض الوقت أحياناً لدروس صناعة الفخار.
وقالت: "عندما تعمل في شركة ناشئة، لا يوجد حد لمقدار العمل الذي يمكن أن تعمل به". "أحب التوازن الذي أملكه الآن. تعلمت أن أبطئ وتيرة الحياة وأستمتع بما لدي".