يُحاول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد صرف كل الأنظار المحلية والدولية عن حرب تيغراي التي لا تزال تدور رحاها رغم إعلان الحكومة السيطرة على عاصمة الإقليم وتوجيهها صوب انتخابات 2021.
واجتمع آبي الأربعاء مع الأحزاب السياسية من أجل التخطيط لانتخابات العام المقبل والتي جرى تأجيلها هذا العام.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد أرجأت الانتخابات البرلمانية بسبب وباء كوفيد – 19، لكن منطقة تيغراي لم تنصع للتأجيل وأجرت انتخاباتها التي أعادت انتخاب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وهي حركة مسلحة سابقة تحولت إلى حزب سياسي، بأغلبية ساحقة.
وكان هذا التحدي أحد أسباب الهجوم العسكري الذي شنته الحكومة الاتحادية على قيادات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي منذ الرابع من نوفمبر الماضي.
قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي يواصلون القتال من المناطق الجبلية المحيطة وهو ما يؤشر على توسع دائرة الاقتتال رغم احتفاء آبي بالنصر السريع
ويُعتقد أن الصراع أودى بحياة الآلاف ودفع نحو 45 ألفا للجوء إلى السودان، وعرّض الإصلاحات السياسية والانفتاح الذي بدأ منذ تولى آبي السلطة في 2018 للخطر، ولا يزال يُنذر بتوسع دائرة الاقتتال مع بدء الحكومة الاتحادية ملاحقة قادة زعماء الجبهة.
وقال مكتب آبي البالغ من العمر 44 عاما وهو أصغر زعيم في القارة الأفريقية، والحاصل على جائزة نوبل للسلام للعام 2019 وذلك لتوصله إلى اتفاق سلام مع إريتريا، إنه أجرى محادثات مع الأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدني ومسؤولي الانتخابات بخصوص انتخابات منتصف عام 2021.
وتولى آبي أعلى منصب في إثيوبيا بعد أن قادت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الحكومة لنحو ثلاثة عقود أصبحت خلالها قمعية بشكل متزايد، تسجن المعارضين وتحظر أحزاب المعارضة.
وأطاح رئيس الوزراء الإثيوبي بالمنتسبين لإقليم تيغراي من الحكومة والمناصب الأمنية، قائلا إن تمثيلهم يفوق كثيرا جماعة عرقية تمثل نحو 6 في المئة فقط من سكان البلاد. وتدخل الجيش الاتحادي عندما تعرضت قاعدة عسكرية اتحادية لكمين في تيغراي.
وتصف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي رفيقها العسكري السابق وشريكها في الحكومة بأنه عازم على الهيمنة عليها لتعزيز قبضته الشخصية على البلد الشاسع الذي يبلغ عدد سكانه 115 مليون نسمة والذي ينقسم إلى 10 اتحادات تديرها مجموعات عرقية مختلفة.
وتتهم الجبهة آبي “بغزو” تيغراي حيث استولت قوات اتحادية على مقلي عاصمة الإقليم مطلع الأسبوع مما دفع قيادات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى الفرار للتلال.
ويصف آبي، الذي تشيد به مجموعتا الأورومو والأمهرة العرقيتان الأكبر عددا، قيادات تيغراي بالمجرمين الذين يعارضون الوحدة الوطنية ويتآمرون لشن هجمات في أديس أبابا وأماكن أخرى.
وفي الشهر الماضي، تسبب انفجار، وقع تحت جسر في أديس أبابا، في إصابة رجل بجروح، كما هز انفجار صغير وقع في حي بولي العاصمة الإثيوبية الأربعاء. وقالت الشرطة وشهود عيان إن شرطيا أصيب بجروح طفيفة أثناء محاولته تفجير العبوة الناسفة بعد أن رصدها جهاز للكشف عن المعادن في حذاء.
وفي تعليقه على الحادثة، اتهم متحدث باسم الشرطة الاتحادية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي دون أن يقدم دليلا. وقال شهود عيان إن الحكومة نقلت أمس الأربعاء ممثلي وسائل إعلام حكومية إلى مقلي.
ومع انقطاع الاتصالات إلى حد كبير لم يكن هناك سوى معلومات محدودة يمكن التحقق منها من المدينة التي يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة منذ سقوطها السبت.
ويقول قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إنهم يواصلون القتال من المناطق الجبلية المحيطة وهو ما يؤشر على توسع دائرة الاقتتال رغم احتفاء آبي بالنصر السريع.
وقال رشيد عبدي، خبير منطقة القرن الأفريقي، أمام منتدى على الإنترنت “الحروب ليست كالصنابير التي تفتحها ثم تغلقها. ستكون هذه عملية طويلة الأمد جدا وممتدة”. وأضاف “العبء يقع على آبي… إذا كان يريد تحقيق الاستقرار في تيغراي فعليه اتخاذ إجراءات سياسية الآن. ليس بوسعي رؤية كيفية القيام بذلك دون نوع من التفاوض”.
وحسب المتحدثة باسمه، لم يتضح إذا ما كان ينوي التفاوض مع الأحزاب التي أجرى معها الأربعاء محادثات. وتعهد آبي بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة العام المقبل بعد أن أدان معارضون وجماعات حقوقية الانتخابات السابقة ووصفوها بأنها كانت مزيفة.
لكن المحللين يقولون إن اعتقال شخصية معارضة بارزة، قطب الإعلام وحليف آبي السابق جوهر محمد في يونيو الماضي بتهم الإرهاب، يظهر أنه هو الآخر يقوم بأعمال قمعية.
وقال ويل دافيسون، كبير محللي شؤون إثيوبيا في مجموعة الأزمات الدولية، “نظرا لسجن شخصيات معارضة رئيسية من الأورومو وأماكن أخرى وصدور مذكرات اعتقال لقيادة جماعة المعارضة الوحيدة في البرلمان الاتحادي، الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ستحتاج السلطات الاتحادية من الآن فصاعدا إلى السعي لتحقيق أقصى قدر من الشمول لمحاولة تهيئة الظروف لانتخابات يمكن اعتبارها نزيهة”. ويواجه آبي انتقادات لاذعة محلية ودولية حول الوضع الإنساني في إقليم تيغراي بعد نزوح الآلاف من المدنيين جراء الصراع.
ودعاه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الاثنين الماضي إلى “وقف تام للمعارك” والسماح “للطواقم الإنسانية بدخول إقليم تيغراي من دون معوقات”. واستجاب آبي، الأربعاء، إلى مثل هذه الدعوات حيث منحت حكومته الأمم المتحدة ممرا إنسانيا “دون قيود” في تيغراي بعد النزاع المسلح الذي دام أربعة أسابيع.