اعتبر مراقبون أن سيطرة تركيا على ميلشيات خفر السواحل الليبية التابعة لحكومة فايز السراج، يعكس تناقض المصالح بين إيطاليا وتركيا في غرب ليبيا، مما يعد نقلا للتوتر من بحر إيجة إلى البحر الأدرياتيكي، كي ينتقل الصدام مع اليونان في بحر إيجة إلى صدام جديد مع إيطاليا في البحر الأدرياتيكي.
ويرى مراقبون أيضا أن زيارة السراج الأخيرة لروما تأتي لتخفيف حدة التوتر بينهما، حتى لا يؤثر الخلاف على حجم الدعم التركي والإيطالي لحكومته.
وعلى الرغم من التنسيق بينهما في جنوب ليبيا لتقليص النفوذ الفرنسي، إلا أنهما يختلفان على تقسيم الكعكة في غرب ليبيا.
والأسبوع الماضي، أعلنت تركيا أنها قامت بتأهيل 120 عنصرا تابعا لبحرية السراج، في "دورة تأهيلية" مدتها شهر نصف، في إطار ما سمته وزارة الدفاع التركية "اتفاقية التدريب والتعاون والاستشارات العسكرية"، في خطوة اعتبرتها بعض الدوائر الإيطالية تهديدا للوجود والنفوذ الإيطالي غربي ليبيا.
وتأتي هذه الخطوة بعد واقعة أخرى تكشف حجم التناقض بين أنقرة وروما في غرب ليبيا، ففي الأول من أغسطس الماضي، رفض عسكريون أتراك دخول 40 جنديا إيطاليا إلى مطار مصراتة، وتمت إعادتهم إلى إيطاليا على نفس الطائرة.
واعتبرت المعارضة الإيطالية تلك الواقعة، "إهانة للجيش الإيطالي موجهة من تركيا".
ويؤسس المراقبون رؤيتهم على مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي يذكرها من حين لآخر، بأن لدى تركيا قرنين من الصداقة مع ليبيا، وهو ما يعكس رؤيته بأن الأتراك "كانوا متواجدين في ليبيا قبل الإيطاليين"، مما يبرز حجم التناقض بين تركيا وإيطاليا.
وفي تقرير حديث بعنوان "تركيا تسيطر على خفر السواحل الليبي"، انتقدت صحيفة "لاريبوبليكا" ردة فعل الحكومة الإيطالية تجاه ما تقوم به تركيا في غرب ليبيا، بعد أن نفذ الأتراك دورتهم التدريبية على زوارق تبرعت بها إيطاليا لحكومة الوفاق منذ عامين.
كما انتقدت الصحيفة أن نقاط المراقبة الذي تم تنفيذ التدريب التركي بها، هي نقاط شيدتها إيطاليا دون مقابل أيضا.
والأربعاء الماضي، قام السراج بصحبة وزير خارجيته طاهر سيالة، ووزير داخليته باشاغا، بزيارة روما، في إطار رغبته بتخفيف التوتر بين أكبر حليفين لحكومته (إيطاليا وتركيا)، بعد خطوة تدريب لخفر السواحل، التي تركت أثرا سيئا جدا في نفس روما تجاه أنقرة وحكومة الوفاق، وهو ما أكدته الصحيفة الإيطالية بتقريرها بأن حجم المنافسة بين روما وأنقرة في غرب ليبيا صار أكبر من حجم التعاون بينهم.
أردوغان يستنسخ تحركه ببحر إيجة
ويشير المحلل والباحث السياسي الليبي حسين مفتاح، إلى أن تركيا "تستكمل الآن مشروعا بدأته إيطاليا، بعد أن عزم أردوغان على عقد السيطرة التامة على غرب ليبيا برا وجوا وبحرا".
وشدد مفتاح على أن "في البحر هدف استراتيجي تركي مهم، وهو استنساخ أردوغان لنفس أزمة بحر إيجة ضد اليونان في البحر الأدرياتيكي ضد إيطاليا، بفضل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق من جانب، وبفضل سيطرة الجيش التركي على بحرية حكومة الوفاق من جانب آخر".
وأضاف: "هذا الأمر من شأنه أن يجعل بحر الأدرياتيكي، في مرمى سهام المهاجرين وتجار تهريب البشر، الذي ستتحكم فيه من الآن تركيا."
ويضيف مفتاح في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "ما يشكل تهديدا لمصالح إيطاليا في ليبيا، هو تهديد مباشر للأمن القومي الإيطالي وجزيرة صقلية تحديدا، بعد أن تتحكم تركيا عبر تواجدها البحري في غرب ليبيا في حركة تدفق المهاجرين الأفارقة لدول جنوب أوروبا، وخطوط سيرهم في البحر نحو دول إيطاليا واليونان، في ظل استهداف الأخيرة من تركيا."
صراع عض الأصابع
ويقول أستاذ العلوم السياسية، أشرف الباروني، أن تركيا بتلك الخطوة "تكون قد كشفت عن صراع عض الأصابع بين روما وأنقرة على مسرح غرب ليبيا، وهو الصراع الذي ظل طي الكتمان لعامين على الأقل، إلى أن جاءت اللحظة الحالية التي تضاربت فيها مصالح البلدين، بعد رغبة أردوغان في السيطرة على كل شيء بغرب ليبيا."
ويضيف الباروني لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "إيطاليا غاضبة بشدة، بحكم ما قدمته لحكومة الوفاق منذ أن دخل السراج إلى العاصمة طرابلس على متن فرقاطة إيطالية، مرورا بالدعم المالي المقدم من المافيا الإيطالية لأعضاء بحكومة الوفاق لضمان استمرار مصالحهم في غرب ليبيا، وصولا للدعم العسكري الإيطالي المقدم لمليشيات مصراتة وطرابلس تحديدا."
لي ذراع أوروبا بمهاجري ليبيا
من جانبه، اعتبر الخبير السياسي الليبي أحمد حمزة، أن تركيا ترغب في فرض سيطرتها التامة على القوات البحرية الموالية لحكومة الوفاق، "استهدافا لخلق ورقة ضغط أخرى على أوروبا من سواحلها الجنوبية".
وأشار إلى أنها ستقوم بذلك من خلال "المهاجرين القادمين لها من غرب ليبيا، كما نجحت سابقا في لي ذراع أوروبا الأول عبر المهاجرين القادمين لها من سوريا، مما يثير قلق روما بشكل كبير."