الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - اخبار اليمن و الخليج - الحوثيون يشيعون التعليم إلى منفاه الأخير

الحوثيون يشيعون التعليم إلى منفاه الأخير

الساعة 02:23 مساءً (Ann)

 

 

 

 

 

يتذكر ماهر حميد 47 عامًا من أبناء محافظة إب، رحلته مع المنهج الدراسي منذ الصفوف الأولى وحتى الجامعة فيقول.

 

على رغم ما قيل في تلك المناهج إلا أن الطابع العام لدى الجميع كان (العلم) والحصول على المعرفة، وكان الهدف يُرسم ولو حُلمًا.

 

يضيف، اليوم وقد أصبحت طباعة الكتاب كل شهر، معظمه خرج من "ملازم" في كهف مران بصعدة، ماذا ننتظر!

 

عيد معلم يتيم

 

وتعتبر العملية التعليمية شبه ميتة منذ سنوات، نتيجة للحرب التي ما زالت رحاها شاهدة على مجمل ما يجري.

 

على سبيل الاستشهاد وجدنا صمتًا واضحًا من قبل جماعة الحوثي، تجاه "عيد المعلم" الذي يصادف ال5 من أكتوبر من كل عام، هو نفس الصمت الذي أخفى كشوف الراتب في الأدراج.

 

وسائل التواصل الاجتماعي كانت البوابة الأقرب والأسهل، فمن خلالها تم الاحتفاء بالمعلم وعيده اليتيم.

 

وأمام مستقبل مجهول عمدت المليشيا وتحديدًا الحوثية إلى تأجيل كل أشكال الفرح المتوقعة، إذْ لم تعد الأيام تحمل أي جديد وخاصة في المناسبات والأعياد.

 

لذا يطرح مراقبون بأن الحرب لن تضع أوزارها في اليمن إلا وقد أصبح التعليم مليئا بالخرافة والهرطقات، ما يعني أن البلد سيحتاج بعد ذلك لسنوات ضوئية حتى ترمم هذا القطاع الهام. 

 

بدايات التشييع

 

لم تكن المحاضرات والندوات التثقيفية لجماعة الحوثي أو ما كان يطلق عليها سابقًا حركة "الشباب المؤمن" وليدة اللحظة، فالأمر سبق هذا بأكثر من 15 عامًا.

 

أعوامٌ كانت كافية لظهور تيار أو جيل كامل من الشباب المؤدلج والمذهبي، الذي ناصب الدولة والنظام القائم العداء، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وهو إعلان التمرد والجهاد بحثًا عن "الولاية".

 

يقول عبد الكريم محمد، من محافظة ذمار ل"نيوزيمن"، وهو ممن عملوا في سلك التعليم قبل سنوات في محافظة صعدة: لم أكن يومها استوعب ما يدور في تلك المحافظة، فقد كانت هناك الكثير من الخدمات لكن يبدو أن تأثيرها لم يكن بالمستوى المطلوب.

 

يضيف، فيما كانت الدولة على ما يبدو تبحث عن "التوازنات" من خلال منح مثل هذه الجماعات فرصاً للتحرك في إطار ديني معين، كان الحوثي يعد "الحوزات" وبشكل واضح في كل منعطف وزاوية.

 

وتابع، كانت صفة "سِيدي" فلان قد بدأت تنتشر في كثير من مناطق مديرية "سحار" و"ساقين" و"حيدان" ومديرية "منبه" الحدودية مع المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى منطقة "مران" وبقية المديريات المجاورة. 

 

في 28 نوفمبر 2016م أصدرت المليشيا قرارًا، بتعيين الأخ الأكبر لزعيم الحوثيين يحيى بدر الدين الحوثي "وزيرا للتربية والتعليم"، وهو الذي لا يحمل أي شهادة سوى أنه درس لدى والده الذي توفي قبل سنوات.

 

وكانت الحركة مطلع العام 2015 قد أوعزت إلى العديد من قياداتها من ضمنهم يحيى الحوثي نفسه التوقيع على "وثيقة شرف" بين القبائل، تؤدي نفس المهمة في إطار مشروعها التدميري وكسب ود وتأييد القبائل.

 

إذًا، فإن الجماعة تكون بقرار تعيين وزير للتربية والتعليم، قد وضعت يدها وكل ثقلها على أهم قطاع في هيكلة الدولة بعد سيطرتها على ترسانة "الأسلحة".

 

فها هي اليوم تقود الكثير من أبناء القبائل المغرر بهم إلى جبهات القتال، دفاعًا عن مشاريع إيران وشعارات خامني في المنطقة.

 

تساهل المجتمع الدولي

 

خلال الأعوام الأخيرة بدأت الجماعة بتغيير المنهج الدراسي وحتى الجامعي بما يتناسب مع مشروعها الخاص.

 

بدأت بكتاب (الوطنية - التاريخ - والتربية الإسلامية)، وقد تضمن ذلك التغيير حذف وإضافة وإلغاء بعض الشخصيات التاريخية، وفرض الصرخة كشعار بديل عن النشيد الجمهوري بشكل غير مباشر بداية الأمر.

 

تجاوز ذلك إلى المنهج الجامعي، فكانت "الملازم" هي البديل؟ وهي في مجملها 66 محاضرة مسجلة لمؤسس الحركة حسين الحوثي تم تفريغها وتحويلها إلى 64 ملزمة، بحسب التقارير.

 

لم يتوقف المجتمع الدولي ولا المنظمات الدولية أمام أي تجاوزات للمليشيا، بل ساعدها في كثير من الأوقات.. حيث تذكر التقارير أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، قدمت دعمًا ماديًا سخيًا قبل أكثر من عامين تقريبًا للمليشيا من أجل طباعة كتب المنهج الخاص بهم.. تمثل في مجموعة كبيرة من الأوراق الخاصة بطباعة الكتاب وأدوات أخرى، وكان الاتفاق على التمويل بموافقة حكومة الشرعية بشرط عدم التغيير في المناهج، وهو الأمر الذي لم يتم بطبيعة الحال.

 

هذه المنظمة وغيرها على علم بأن الحوثيين زجوا بالمئات من الأطفال في المعارك الجارية، بالإضافة إلى قيامها باستحداث معسكرات تدريب وقيامها بأنشطة مشبوهة تفسد الشباب.

 

ناهيك عن عدم التحاق ما يقارب المليون طفل بالمدارس، وهناك أكثر من 3 ملايين تعرضوا للتغييب عن التعليم بشكل أو بآخر. 

 

المعلم الضحية الصامت

 

حمّل البعض المعلم كامل المسؤولية، بسبب صمته خلال الأعوام الماضية، وقبوله بالعمل دون راتب.

 

يقول محيي الدين سعيد، من أبناء محافظة الحديدة وأحد التربويين الذين يقطنون العاصمة صنعاء: "المعلم الذي لديه كرامة هو الذي لا يقبل الظلم، فكيف نحتفل بعيد معلم مستكين خاضع".

 

وأضاف، "منذ أكثر من 4 سنوات والمعلم يداوم بدون مرتب، ويتقبل ألاعيب اللصوص برحابة صدر وطول بال"، داعيًا الجميع إلى "الدفاع عن حقوقهم أمام اللصوص".

 

وتفيد التقارير بأن هناك أكثر من 1500 معلم وتربوي قُتلوا خلال الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي أواخر العام 2014.

 

وكان قطاع التعليم قد تعرض لخسائر كبيرة في البنى التحتية والقوى البشرية، خلال ال6 أعوام الماضية، وتعرض ما لا يقل عن 20 ألف معلم وتربوي للتهجير والنزوح القسري بسبب الأوضاع.

 

أرقام مخيفة

 

بالغت مليشيا الحوثي، ذراع إيران في اليمن، عن قصد في تدمير "المؤسسة التعليمية" وبكل السبل المتاحة، فبدأت بإيقاف رواتب المعلمين.

 

وهناك إحصائيات مفزعة حول هذا القطاع كان قد صرح بها أحد المسؤولين في نقابة المعلمين حول الخسائر الفادحة أوساط التربويين.. حيث أكد أن ما يقرب من 1579 تربويا تعرضوا للقتل منذ العام 2014 وحتى بداية أكتوبر من هذا العام.

 

وذكر اليناعي وهو مسؤول في نقابة المعلمين لوسائل الإعلام، أن 81 من القتلى هم إداريون ومديرو مدارس، منهم 14 ماتوا تحت التعذيب المستمر في سجون الحوثيين.

 

كما كشف المسؤول نفسه عن أن عدد التربويين الذين كانوا عرضة للإصابة جراء الحرب بلغوا 2642 بعضها وصل حد الإعاقة الدائمة، مشيرًا إلى أن النقابة عملت على توثيق أكثر من 600 حالة لتربويين اعتقلتهم المليشيا، منهم 36 تعرضوا للإخفاء القسري.

 

وتصدرت محافظة الحديدة القائمة باعتقال 126 معلمًا وتربويا، تلتها محافظة ذمار ب113 وأخيرًا أمانة العاصمة بـ98 معتقلًا.

 

ولفت مسؤول النقابة إلى أن 20,142 غادروا مناطقهم ومنازلهم إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الشرعية.

 

ويأتي ذلك النزوح ضمن البحث عن راتب أو مصدر دخل يعولون بها أسرهم إضافة إلى خوفهم من البطش أو الاعتقال.

 

كما تحول معظم التربويين إلى قادة عسكريين ورجال أمن، كما هو الحال في مدينة تعز التي يسيطر عليها الحشد الشعبي للإخوان المسلمين (الإصلاح).

 

الأمر الذي نتج عنه مدينة منكوبة لا تقل في انهيار مؤسساتها التعليمية وغيرها عن الذي يجري في مناطق مليشيا الحوثي، وقمع شديد للمعارضين لهم، ونهب منازلهم وممتلكاتهم، فيما تعرض بعضهم للقتل.

 

تفخيخ المدارس

 

قبل مقتل الرئيس صالح كان قد ألقى خطابًا موجزًا في إحدى القاعات المغلقة بالعاصمة صنعاء أمام حشود من القيادات الحزبية والواجهات، وحين أكمل حديثه قال: أَترك بقية التفاصيل للأخ الأمين العام وكان يقصد (عارف الزوكا).

 

حينها تحدث الأمين العام حديثًا طويلًا وتفاصيل دقيقة حول مَواطن الخلاف مع الجماعة، وكان من ضمن تلك القضايا موضوع تغيير "المنهج الدراسي" من قبل مليشيا الحوثي.

 

وهو الأمر الذي حاول معه حزب المؤتمر الشعبي العام ضمن أمور كثيرة، الإبقاء عليه حتى يتم الاتفاق ضمن مشروع دولة، لكن الأمور كانت تسير باتجاه التصعيد الذي نحن عليه اليوم.

 

في أواخر سبتمبر من العام الحالي 2020 أقدمت مليشيا الحوثي على تفجير مبنى "مدرسة الكفاح" الأساسية في قريتي شعب بني زهير والحمينية، مديرية "حيس" جنوب محافظة الحديدة وهي منطقة تماس خاضعة للمليشيا.

 

وكان السبب، بحسب ما تناولته التقارير، هو إقامة حفل استقبال داخل مبنى المدرسة من قبل الأهالي بعودة أحد أعضاء مجلس النواب أو المجلس المحلي سالمًا بعد غياب.

 

لم تكن هذه المدرسة الوحيدة في المحافظة التي تم تفجيرها، ففي نوفمبر من العام 2018 فخخت المليشيا مدرسة "22 مايو" بمنطقة الجاح التابعة لمديرية "بيت الفقيه" في الساحل الغربي من نفس المحافظة.

 

هذه المرة كان السبب انتقاماً من الأهالي الذين رفضوا أهداف المليشيا، والزج بأبنائهم في معارك خاسرة، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه الحوثيين مع قطاع التعليم منذ العام 2014.

 

وزير الإعلام في حكومة الشرعية معمر الإرياني، كان قد حذر من خلال أكثر من تصريح لوسائل إعلام عربية ومحلية، من تحويل المدارس في مناطق الميليشيا إلى أوكار لاستقطاب وتجنيد الأطفال.

 

كما طالب المجتمع الدولي بممارسة الضغط على مليشيا الحوثي المدعومة من إيران لتحييد العملية التعليمية عن الصراع.

 

خسائر بالآلاف

 

حتى وقت قريب وثقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أكثر من 2500 مدرسة تم إيقاف التعليم فيها، معظمها دمرتها الحرب.

 

فيما اُتخذ من بعضها مكانا لتخزين الأسلحة ومواقع عسكرية ومخيمات للنازحين، كما حدث ولا يزال في محافظة ومدينة تعز وفي صنعاء وصعدة والحديدة وحجة.

 

بالإضافة إلى تلك التي قام بقصفها طيران التحالف العربي منذ بدء عملياته العسكرية في اليمن عام 2015.

 

ويعتقد مراقبون أن ما يقرب من 3550 مدرسة تعرضت للتدمير بشكل مباشر وغير مباشر من أصل 13,200 مدرسة.

 

وبحسب تقارير المنظمات والمراقبين فإن الفترة من عام 1999 حتى العام 2013 كان البلد قد شهد تحسنًا كبيرًا في العملية التعليمية، حيث بلغ عدد من التحقوا بالمدارس في العام 2013 و2012 ما يقرب عن 5 ملايين ومائة ألف طالب وطالبة.

 

بحسب تقارير المراقبين ومنظمة "اليونسيف" فإن أكثر من 4 ملايين حرموا من التعليم أو تلقوا أقل من نصف ما كانوا يتلقونه من الوقت في الأعوام 2017 و2018.

 

عبد الله لملس كان قد صرح بأن عدد المدارس التي تضررت تجاوز 1700 مدرسة، مؤكدًا أنها بحاجة إلى 50 مليون دولار لإعادة إعمارها.

 

كما أوضح أنه تم إعادة تأهيل ما نسبته 60% في المناطق المحررة من جملة المدارس التي تحتاج إلى إعادة تأهيل.

 

معالجات قاصرة

 

لا تزال المعالجات التي تقدم في سبيل ترميم العملية التعليمية متواضعة جدًا بل وضعيفة، بدليل حرمان ما يقارب 80% من المعلمين من رواتبهم، وحتى الذين حسبوا على الشرعية ليسوا بأفضل حال، فمن وقت لآخر تتأخر رواتبهم أو تنقطع.

 

نتج عن هذا استبدال أو بالأصح إحلال معلمين جدد معظمهم غير مؤهلين في المناطق المسيطر عليها من قبل المليشيا.

 

بالإضافة إلى تحميل أولياء الأمور دفع جزء كبير من التكاليف، على شكل رسوم شهرية أو دفع رسوم بداية العام الدراسي.

 

والأخطر من ذلك تحويل العديد من المدرس الحكومية في العاصمة صنعاء خلال حكم المليشيا إلى مدارس خاصة.

 

كما تم تخصيص بعضها للطلاب "المتفوقين"، والذي بدأها عبد الرزاق الأشول وزير التربية والتعليم في حكومة باسندوة 2012 و2013.

 

كان ذلك من خلال مدرسة "جمال عبد الناصر" الواقعة في قلب التحرير، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من الآباء اليوم وحتى المؤيدين للمليشيا.

 

دعم دول التحالف

 

بالتزامن مع محاولة إعادة تأهيل القطاع التعليمي رُصدت بعض المشاريع المهمة والمبالغ المالية من قبل دول التحالف والمنظمات، ذهب جزء منها كحوافز للمعلمين والجزء الآخر لإعمار المباني وتجهيزها. 

 

حيث دعمت الإمارات العربية من خلال "الهلال الأحمر الإماراتي" والمملكة العربية السعودية عبر "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" في السنوات الماضية، قطاع التعليم فقط، بما يقارب 120 مليون دولار.. تركزت في: ترميم وتجهيز بعض المدارس التي تعرضت للتدمير، دعم ما يقارب 100 ألف طالب بالمستلزمات والمعونات، وحوافز مالية ذهبت للمعلمين، 80% منها في المناطق المحررة.

 

كل ذلك لم يلب حاجة قطاع التعليم لكونه دعماً غير مستقر، في وضع غير آمن أصلًا، فيما لا تزال الكثير من المدارس خارج الخدمة، والمعلمون بدون رواتب ولو بالحد الأدنى.