أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية أصغر جهانغير، صباح اليوم إصدار الحكم الإعدام بحق ثلاة متهمين في إغتيال المهندس محسن فخري زاده المعروف بـ "أب البرنامج النووي الإيراني" وذلك بعد مرور نحو أربعة أعوام على استهدافه في عملية معقدة لا تزال بعض فصولها غامضة.
وفي رده على سؤال حول آخر مستجدات قضية اغتيال فخري زاده، قال جهانغير بأنه تم التعرف على 8 متهمين في محافظة أذربيجان الغربية وتم تنظيم ملفات لهم، وجرى تقديم 3 من هؤلاء الأفراد للمحاكمة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
وحسب المتحدث فقد قام 3 من أعضاء هذه الخلية، إلى جانب أعمال التجسس، بنقل معدات لاغتيال فخري زاده إلى داخل البلاد تحت غطاء تهريب المشروبات الكحولية.
وأوضح أن الأحكام بحق هؤلاء المتهمين الذين لم يتم الكشف عن هوياتهم صدرت في المحكمة الابتدائية، وحُكم على هؤلاء الثلاثة بالإعدام، والقضية حالياً في مرحلة الاستئناف، أما بالنسبة لبقية المتهمين في قضية اغتيال فخري زاده، فإن ملفاتهم لا تزال مفتوحة لدى محكمة محافظة طهران.
وتأتي هذه الاحكام في خضم التصعيد غير المسبوق بين طهران وتل أبيب بعد جولتين من الرد والرد المضاد وكانت الجولة الأخيرة في 26 أكتوبر استهدفت اسرائيل خلالها منشآت عسكرية إيرانية وتهدد طهران هذه الايام بالرد على الهجوم الإسرائيلي بعنوان "الوعد الصادق 3".
اغتيال فخري زاده
تم استهداف عدد من العلماء النوويين الإيرانيين منذ الكشف عن الأنشطة الإيرانية السرية في هذا المجال في أغسطس 2002 وفي عام 2007 ، اغتال عملاء إسرائيل 5 علماء نوويين إيرانيين وجرحوا آخر، عمل معظم هؤلاء القتلى بشكل مباشر مع فخري زاده على ما قال مسؤولو المخابرات الإسرائيلية إنه برنامج سري لبناء رأس حربي نووي، وكان المهندس محسن فخري زاده أبرز عالم نووي إيراني وقيادي بارز في الحرس الثوري يترأس مركز الابحاث والتكنولوجيا بوزارة الدفاع الإيرانية وطالته عملية الاغتيال في السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، في منطقة أبسرد التابعة لمدينة دماوند في محافظة طهران.
وسبق أن تطرق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في سبتمبر 2021 إلى دور عملاء إسرائيليين كانوا قد خططوا لقتل العالم النووي الإيراني الأكبر منذ سنوات، إلى أن توصلوا لطريقة تحقق هدفهم دون وجود عناصر لهم على الأرض.
اللافت في الأمر أن إيران أبقت فخري زاده بعيداً عن الأنظار فترة طويلة، حتى صوره كانت نادرة، وعرف شكله بعد مقتله فقط.
وأوضحت المعلومات أن فخري زاده كان استيقظ فجر يوم الاغتيال، منطلقاً مع زوجته إلى منزلهما الصيفي في الريف، تحديداً إلى منطقة آبسرد، وهي بلدة ريفية شرق طهران، حيث كانا يعتزمان قضاء عطلة نهاية الأسبوع.
ورغم أن جهاز المخابرات الإيراني كان حذره من احتمال وجود مؤامرة اغتيال بحقه، إلا أنه لم يكترث لذلك، بل نفى ذلك تماماً وأكمل روتين حياته بشكل طبيعي.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل كانت على قناعة بأن العالم القتيل يقود جهود إيران لبناء قنبلة نووية، ولهذا قررت قتله منذ مدة 14 عاماً قبل اغتياله تصفيته جسديا.
وفي يوم الاغتيال كان فخري زاده يقود سيارته السوداء من نوع نيسان تينا سيدان، وزوجته كانت في مقعد الراكب المجاور له وحيدين دون مرافقة، كان عملاء إيرانيون يعملون لصالح الموساد قد أوقفوا شاحنة بيك آب زرقاء من طراز نيسان زامياد على جانب الطريق الذي يربط آبسرد بالطريق السريع الرئيسي.
وعند بقعة كانت على ارتفاع طفيف، خُبأ تحت القماش المشمع ومواد البناء في صندوق الشاحنة، مدفع رشاش قناص عيار 7.62 ملم، وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا، تلقى فريق المنفذ إشارة بأن فخري زاده وزوجته وفريق من الحراس المسلحين في سيارات مرافقة كانوا على وشك المغادرة إلى أبسارد، حينها تولى الفاعل وهو قناص ماهر موقعه، وضبط البندقية، ورفع السلاح ممسكاً الزناد فأطلق النار فأرداه قتيلا.
روبوت قاتل!
وأفادت عدة وكالات إخبارية إيرانية لاحق بأن القاتل كان روبوتاً، وأن العملية برمتها تمت عن طريق التحكم عن بعد، لكن هذه الرواية أثارت سخرية الإيرانيين الذين وجدوا فيها محاولة لتقليل إحراج قوات أمن النخبة التي فشلت في حماية أحد أكثر الشخصيات الخاضعة لحراسة مشددة في البلاد.
وفقا لتقارير بدأت الاستعدادات لاغتيال فخري زاده بعد سلسلة من اللقاءات بدأت نهاية عام 2019، ومطلع عام 2020 بين مسؤولين إسرائيليين بقيادة مدير الموساد يوسي كوهين، ومسؤولين أميركيين رفيعي المستوى بمن فيهم الرئيس دونالد ترمب، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومديرة وكالة المخابرات المركزية جينا هاسبيل، وطيلة الفترة الماضية لم ترفع إسرائيل أعينها عن فخري زاده أبداً بل كان على رأس المطلوبين منذ عام 2007.
"تذكروا هذا الاسم"
وفي عام 2018، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمرا صحفيا لعرض الوثائق التي حصل عليها الموساد من الأرشيف النووي الإيراني الذي سرق من منشأة "تورقوز آباد" بالقرب من طهران، مشيرا إلى أن "إيران ما زالت تمتلك برنامجا نشطا للأسلحة النووية" حسب قوله، كما ذكر في الاجتماع اسم فخري زاده عدة مرات، وقال: "تذكروا هذا الاسم".
وبعد مقتل فخري زاده أشار محققون إيرانيون إلى أن زوجته لم تصب مع أنها كانت جالسة على بعد بوصات، وهي الدقة التي نسبوها إلى استخدام برمجيات التعرف على الوجه.
وأوضح ابن القتيل، حامد فخري زاده لاحقاً أنه كان في منزل العائلة في آبسرد عندما تلقى مكالمة استغاثة من والدته، ووصل في غضون دقائق إلى مكان الاغتيال الذي وصفه بأنه مشهد حرب كاملة فقد منع الدخان والضباب رؤيته واشتم رائحة الدم.
وقتل فخري زاده، رئيس مركز الأبحاث والتكنولوجيا لدى وزارة الدفاع الإيرانية، والذي كان يعتبر من أبرز مطوري البرنامج الإيراني النووي، يوم 27 نوفمبر 2020 في عملية اغتيال وصفتها طهران بـ"الإرهابية".
وأفادت وزارة الدفاع الإيرانية حينها، بأن "عناصر إرهابية مسلحة هاجمت سيارة تقل فخري زاده"، الذي أصيب بجروح خطيرة "أثناء الاشتباك بين فريقه الأمني والمهاجمين، ونقل إلى المستشفى حيث فارق الحياة رغم جهود الأطباء لإنقاذه.
إلى ذلك، اتهمت إيران إسرائيل، التي سبق أن تعهدت مرارا باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، بالوقوف وراء هذه العملية.