عقب خروجه من أحد السجون الحوثية السرية في محافظة الحديدة، غربي البلاد، اكتشف الإعلامي اليمني، محمد الميسري، أنه مصاب بمرض جلدي معدي بعد ظهور بثور حمراء صغيرة في جسده تسببت له بحكة شديدة وطفح.
محمد، هو واحد من عشرات الصحفيين والكتاب والنشطاء والطلاب والعاملون في وسائل الإعلام اليمنية ممن يعانون أمراض عدة، منها "الجرب" جراء انعدام الرعاية الصحية في سجون الحوثي السرية أحيانا، أو يفقدون القدرة على الحركة إثر التعذيب الوحشي.
وأُفرج عن الميسري بعد أشهر من اعتقاله مقابل مبلغ مالي دفعه والده تحت ضغط قيادات المليشيا، فيما لا يزال أكثر من 20 صحفيا وإعلاميا يمنيا يقبعون خلف قضبان سجون الانقلاب.
وللمرة الخامسة منذ الانقلاب الحوثي، مر عيد الصحافة اليمنية التي تحتفل فيه كل عام في التاسع من يونيو، وسط ظروف صحفية قاسية وجحيم لا يطاق، إذ يتم الاحتفاء به سنويا بفعاليات تسلط الضوء على أوضاع المعتقلين.
وفرض الحوثيون تعهدات مشددة تستهدف حجب ظروف احتجاز العشرات ممن جرى إطلاق سراحهم تحت ضغط الرأي العام، وأكد 5 صحفيين لـ"العين الإخبارية"، تتحفظ عن ذكر أسمائهم لاعتبارات أمنية، أنهم أجبروا مع أسرهم التوقيع على ضمانات عقابية مقابل عملية الإفراج عنهم.
- معتقلات قاتلة
يروي محمد الميسري أن مليشيا الحوثي أودعته مبنى مدني يتكدس بالمعتقلين أشبه بنفق مظلم يفتقر للنظافة أو حتى منافذ التهوية ولا تصله أشعة الشمس.
وذكر الميسري وهو فنان شعبي أيضا، أنه أعتقل أواخر أكتوبر الماضي مع 2 من زملائه في قسم الصحافة والإعلام بجامعة الحديدة لازالوا مغيبين قسرا حتى اليوم.
وأضاف لـ"العين الإخبارية": "تم اقتياد ثلاثتنا بعد تكبيلنا بالقيود وتعصيب العيون بقماش وأودعونا مدرسة أهلية وسط الأحياء السكنية المجاورة لمبنى الأمن السياسي بالحديدة، وهي أحد المعتقلات السرية لجهاز الحوثيين المسمى بـ"الأمن الوقائي".
وعن حالته الصحية، أكد أنه يتحسن بعد إصابته بمرض الجرب الذي انتقل إليه جراء انتشار الأمراض الجلدية وسط المعتقلين، لافتا إلى أن صيف الحديدة شديد الحرارة ضاعف تفشيها في مئات المعتقلات الجماعية.
وتابع: "خلافا للتعذيب الذي يتعرض له المختطفين في كل مرة تتم فيها جلسات التحقيق، كنا نتعرض لهجمات نفسية تعد بمثابة موت بطئ، كالتهم الملفقة والمنع من التواصل مع الأهل والتعمد بطهي الطعام بشكل غير صحي تسمم جوف المعتقل وتصيبه بالإسهالات المائية ".
وأوضح الميسري أن "الحوثيين طوروا أساليب مختلفة للتعذيب الممنهج تستهدف إجبار المعتقل على الاعتراف بتهم حوثية ملفقة، الأمر الذي يعد الأخطر على حياة المعتقلين والصحافة ككل".
- الاعتراف تحت التعذيب
الاعتراف مكرها تحت التعذيب الوحشي لمليشيا الحوثي يضفي غطاء لأسباب اختطاف واعتقال الانقلابيين لعشرات المواطنين والصحفيين بدواع أمنية تطيل فترة احتجازهم ويتم تحويلهم إلى أسرى حرب ومبادلتهم مع قوات الشرعية.
ووفق الناشط الإعلامي سهيل العبسي وهو أحد ممن أطلق سراحه في صفقة لتبادل الأسرى أنه تنقل على مدى سنة كاملة في 3 سجون حوثية بعد اختطافه من أحد شوارع العاصمة صنعاء.
العبسي قال لـ"العين الإخبارية" إن مليشيا الحوثي استخدمت معه أساليب تعذيب بشعه مثل البقاء طوال 30 يوما في حجرة سرية انفرادية تقع في أحد المباني الأرضية.
كما تعرض المعتقل السابق من قيادات تابعة لمليشيا الحوثي لضرب مبرح بقضبان حديدية وبنادق وجرى تعليقه على الجدران ويديه مكبلة خلفه في محاولة لانتزاع اعتراف بالعمل الاستخباراتي مع الجيش اليمني.
- تطويع بقوة السلاح
ونظم صحفيون وإعلاميون يمنيون في المناطق المحررة، حملة مناصرة على مواقع التواصل الاجتماعي ووقفة احتجاجية بمناسبة يوم الصحافة اليمنية، وأعلنوا التضامن مع الصحافيين المعتقلين في سجون الحوثي منذ أكثر من 4 سنوات.
ومن المتوقع أن تبدأ مليشيا الحوثي بإجراءات محاكمة ظالمة بين شهري يونيو و يوليو لما لا يقل عن 10 صحفيين.
سياف الغرباني، صحفي يمني أفلت من الملاحقة الحوثية ووصل للمناطق المحررة عقب أيام من اغتيال الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، يقول إن الصحافة في بلاده تعيش منذ الانقلاب الحوثي أسوأ حقبة في تاريخ ولادتها كسلطة رابعة.
ولفت إلى أنه غادر العاصمة صنعاء متخفيا بعد أن حولها الحوثيون إلى مهنة خطرة معرض صاحبها إلى القتل والاختطاف والتعذيب والتنكيل حيث سقط العديد منهم قتلى تحت رحمة التعذيب واستخدم البعض لهم كدروع بشرية.
وحسب الغرباني فإن أهداف المليشيا من الحملة المحمومة ضد الصحفيين أن يتم تطويعهم بقوة السلاح وتحويلهم إلى جنود لنشر أفكارها الطائفية، إذ سيطرت على مؤسسات الدولة ونظرت للصحفيين ووسائل الإعلام وعامليها كمقار عسكرية ومقاتلين.
واحتكرت مليشيا الحوثي إصدار الصحف والعمل في مجال الإعلام على أتباعها وشيدت وسائل إعلامها على أنقاض عشرات الصحف والمؤسسات التي تم نهبها وملاحقة واختطاف واحتجاز طواقمها.