أوجدت التكنولوجيا عالماً جديداً من الصداقات الإلكترونية التي باتت ظاهرة منتشرة في شتى المجتمعات وتتعدد أشكالها من مواقع ومنتديات ومواقع تواصل وغيرها، وأصبحت نافذة للتعرف على الأشخاص وعلى الأخبار، ووسيلة للتفاعل مع الآخرين، وزيادة المتابعين، ولكن لا بد من الانتباه أن كثيراً من المتابعين مجرد «أسماء وأرقام وصور»، بمعنى أن حقيقتهم ليست مضمونة مئة بالمئة، وأن هذه الصداقة بين فردين لا يجمعهما سوى شبكة الإنترنت.
إذ قد يبعدان عن بعضهما آلاف الأميال، وقد يكون كل منهما في دولة أو قارة أخرى، إلا أنه بفضل التكنولوجيا يمكن للمستخدمين التواصل والتحاور والتعرف على ثقافات وتبادل أفكار بـ«لمسة زر» دونما الحاجة للسفر وتكبد مبالغ طائلة للقاء.
خلف الشاشة
الكاتبة والأديبة الإعلامية نجيبة الرفاعي ترى أن مفهوم الصداقة كبير وواسع وعميق، فالصديق هو الذي تعطيه ثقتك وتكشف له همومك وتستشيره في خصوصياتك، هو الذي تثق بأنك ستجده وقت حاجتك، وبأنه لن يخذلك وسينصحك بحب بلا هدف للمصلحة، وحتى يصل الشخص إلى مرتبة الصديق يجب أن تكون هناك معرفة تامة به، واحتكاك وتفاعل واقعي معه لفترة زمنية كافية، حتى تتكون هذه العلاقة الوثيقة التي يطلق عليها الصداقة.
وتضيف: «هذه الأمور من الصعوبة أن تتحقق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لأن التفاعل يكون من خلف الشاشة، وقد يكون أكثر ما يعرض من خلالها غير صادق أو حقيقي، قد نحقق التعارف من خلال تلك الوسائط وهذا أمر لا بأس به، ونتشارك في تبادل المعلومات والمعرفة، وأحيانا التسلية، وأحياناً قد يرسل لنا أحدهم عبارة فنرتاح لها، أو يدخل معنا في مراسلة راقية، فنستأنس بها، ولكن هذه لا نسميها صداقة، وإنما مجرد (معرفة عامة) بالآخرين، ووسيلة لنشر أفكار وآراء أو ترويج سلع، ولكن هذه العلاقة تحتاج إلى حدود وحواجز بين الطرفين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخصوصية والأسرار، وللأسف العديد من الأشخاص تورطوا في علاقات اعتقدوا أنها صداقة، فتعرضوا لمشاكل ولعمليات نصب، وأحياناً تهديد بنشر الخصوصيات أو الصور وما شابه».
عالم افتراضي
فاطمة الهاشمي، فنانة أوبرالية وعازفة، تقول: «اخترق عالم الرقميات حياتنا اليومية رغما عنا، فمنذ دخولي مواقع التواصل الاجتماعي أذهلتني كمية المواهب الموسيقية التي لم يسلط عليها الضوء، ومن هذا المنطلق زادت قوة هذه الصداقات، لوجود عامل مشترك، أخرجها من العالم الافتراضي إلى الحقيقي، جعلنا نلتقي في حفلات وجمعنا في فعاليات، منها مهرجان الإمارات للمواهب الموسيقية»، موضحة أن الصداقة الإلكترونية منتشرة في الآونة الأخيرة، إلا أنها تفضل الحقيقية.
أما محمد بن حيدر، مبتكر تطبيق خريطة تفاعلية ثلاثية الأبعاد، فأوضح أنه تعلم واستفاد الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي، ما أضاف إلى حصيلته المعرفية، الكم الهائل، فتعرف على بعض المؤثرين في الابتكار والإعلام والتميز الوظيفي، وتحولت هذه المعرفة، إلى صداقة لتبادل الخبرات والمعلومات التي يجنيها من الدورات والمعارض الدولية ذات التخصص والورش الثقافية، بالإضافة إلى نشر أفكار الابتكار، وتسليط الضوء عليها، ما زاد من حماسه للاستمرار في تطوير ابتكاراته، والسعي للارتقاء بمعارفه في العلوم والتكنولوجيا.
ومن واقع تجربة يؤكد: «تعرفت على كفاءات في مجال القيادة والإدارة، وحضرت بعض الدورات التي كان لها أثر إيجابي في مجالي الوظيفي وتحسين بعض النقاط في شخصيتي، ومن هذا المنطلق أصبحنا نتابع التطورات ونتناقش في مجالات مختلفة نخدم فيها المجتمع من خلال إطلاق بعض الاستفتاءات على مواقع التواصل، ومشاركة المتابعين لقياس المعرفة والثقافة الدارجة»، موضحاً أن صداقات التواصل الاجتماعي ليست فقط تعارفاً أو تكوين علاقات، إنما هي بحر كبير من المعلومات المفيدة التي تعكس مختلف الثقافات المجتمعية تحت سقف واحد.
تحفها المخاطر
تقول المحامية الدكتورة حوراء موسى إن التواصل الاجتماعي، متى كان إلكترونياً، فإنه لا يمكن اعتباره بمنزلة الصداقة التي تكون على أرض الواقع والتي يمكن للفرد بمرور الأيام أن يتحقق من عمق تلك الصداقة بالمواقف والظروف، بمعنى أن الصداقة الإلكترونية إثراء للمستخدم من النواحي الثقافية والفكرية وإنشاء خط للتحاور في مسائل معينة والنقاش حولها وتبادل الأفكار والنصائح والخبرات، إلا أنها محفوفة بمخاطر تتعلق بمدى الثقة بالآخر، فالمستخدم لا يعرف حقيقة من يتواصل معه حتى وإنْ ظهر باسمه وصورته إلا أنه يبقى غريباً بصورة لا ترقى العلاقة حينها للصداقات التي تنشأ على أرض الواقع والتي يكون فيها التواصل مباشراً ودائماً ومعبّراً، وتحفه الطمأنينة والثقة وتعززه المواقف والظروف التي يمر بها أي منهما.
وتقول: «على الرغم من تلك المخاطر، إلا أن الكثير من الصداقات انتقلت من العالم الافتراضي إلى الواقع، وغالباً ما يتم ذلك متى كان أطراف هذه الصداقة من البلد ذاته، حيث يمكن لهم التواصل المباشر باستمرار»، موضحة «على الصعيد الشخصي، تعرفت على الكثير من السيدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان كل ما يجمعنا تلك الوسائل، ثم انتقلنا إلى التواصل هاتفياً، سرعان ما تكلل بلقاء تليه لقاءات حتى أصبحت علاقتنا قوية بصورة أكثر من الصداقات التي بدأت في الواقع من خلال الجامعة أو العمل أو غيره، رغم أن الصداقة الإلكترونية تحفها المخاطر، والأمر الحذر لحين الاطمئنان للطرف الآخر».
طاقات إبداعية
وعن تجربته يقول المهندس خالد آل علي: «من خلال وجودي في منتديات بشكل دائم، تعرفت على الكثيرين من أصدقائي، ومنهم مسؤول عن أحد المواقع الإلكترونية وإدارة منتدى، فهو يهتم بالأعضاء، خاصة أصحاب الطاقات الإبداعية، ويشجع الجميع على تقديم المواضيع المميزة، أما في الوقت الحالي فأذكر أحد الأصدقاء الذين تعرفت عليهم عن طريق صفحات «تويتر» كان سبباً لزرع التحديات والمنافسة في تحقيق وتنفيذ الابتكارات، حيث قدم لي بشكل دائم بعض أفكار منتجات غريبة ويحاول أن يتحداني في تنفيذها»، مشيراً إلى أنه ضد أن نكون محبوسين ضمن نطاق هواتفنا الذكية ونتجاهل اللقاءات الواقعية التي توصل المشاعر الحقيقية بين الأصدقاء.
وترى أميرة العمودي، مسؤولة العلاقات العامة بمؤسسة تنظيم معارض ومؤتمرات، أن الصديق هو النصف الآخر، الذي نشاركه الأفراح والأحزان، والصداقة الإلكترونية تبعد الشخص أحياناً عن الوحدة والانطوائية.
تفتقد الشفافية والمصداقية
يرى الاستشاري النفسي الدكتور محمد أحمد أنه على الرغم من أن صداقات المواقع الإلكترونية تسمح بمزيد من التواصل الاجتماعي والإنساني إلا أنها في الكثير من الأحيان تفتقد الشفافية والمصداقية، فالأقنعة من خلال العالم الافتراضي متاحة لمن يريد أن يرتديها، كما أن هذا النوع من الصداقات قد يسهم في زيادة الفجوة الأسرية، فقضاء ساعات طويلة أمام شاشة الحاسوب يزيد من عزلة الفرد وانطوائيته عن محيطه الاجتماعي الطبيعي، وربما قد لا يتواصل مع أسرته وإخوته في المنزل بالطريقة التي يتواصل بها مع الغرباء عبر الإنترنت، لكنها في كثير من الأحيان تكون سبباً في اكتساب المعارف والخبرات، والتعرف على أشخاص جدد.