لسليماني دور في الضغط من أجل إقالة الساعدي حيث يسعى سليماني إلى تعويم شخصية القيادي البارز في الحشد الشعبي جمال جعفر محمد المعروف بلقب أبو مهدي المهندس مجدداً كقائد ميداني عراقي في معركة تحرير الموصل لضرب صورة الساعدي شعبياً.
العراقيون لم يتحملون تدخل الإيرانيين السافر في شؤون بلدهم أكثر مما يحصلالاحتجاجات هذه المرة شعبية خالصة خلافاً للاحتجاجات السابقة فلم تأت استجابة لدعوة من زعيم أو قائد أو حزب أو أي جهة سياسية
بقلم: بادية فحص
تنظر المعارضة الإيرانية إلى ما يجري في العراق، بعيون الأمل، فأي انتصار تحققه الاحتجاجات الشعبية هناك، من شأنه أن يشكل حافزاً للشعب الإيراني، للعودة مجدداً إلى الشارع، من أجل إنقاذ البلاد من تسلط ولاية الفقيه وتنظيم الحرس الثوري، أو على الأقل كسر هيبة هاتين المؤسستين، اللتين دمرتا بنى المجتمع الإيراني معنوياً ومادياً، كما دمرّتا ما تبقى من العراق.
وتعكس متابعات الصحافة الإيرانية المعارضة أن الاحتجاجات التي اندلعت في المدن العراقية، من دون سابق إنذار، سببها الأول هو النظام الإيراني، حيث لم يعد يتحمل العراقيون، تدخل الإيرانيين السافر في شؤون بلدهم، ومصادرة قراره في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والاستراتيجيا، ولهذا يهتف المتظاهرون في العاصمة العراقية: “بغداد حرة حرة، إيران برا برا”.
وبرأيها أن الاحتجاجات هذه المرة، شعبية خالصة، خلافاً للاحتجاجات السابقة، حيث أنها لم تأت استجابة لدعوة من زعيم أو قائد أو حزب أو أي جهة سياسية، إنما اشتعلت بشكل عفوي، وما يجذب الانتباه أن جميع المدن التي خرجت في مظاهرات، هي مراكز تجمع الشيعة في العراق، مما يثبت أن شيعة العراق كمكون عراقي أساسي، يرفضون الوصاية الإيرانية التي تدعي الدفاع عن مصالح الشيعة في العالم.
وتُجمع الصحافة الإيرانية المعارضة على أن إقالة اللواء عبد الوهاب الساعدي من جهاز مكافحة الإرهاب، هي القشة التي قصمت ظهر البعير، بين الشعب العراقي وحكومته الخاضعة لإملاءات طهران، حيث شكل إقصاؤه إهانة كبرى لبطولات الجيش العراقي، الذي هزم “داعش” في الموصل، وليس فيلق القدس في تنظيم الحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني، كما تدّعي الرواية الإيرانية والعراقية الموالية.
أما الغاية من هذا الإقصاء، فهي محاولة محو إنجازات الجيش العراقي من الوجدان الشعبي، على حساب تسييد جماعة من المرتزقة التابعة لتنظيم الحرس الثوري، أي الحشد الشعبي، ذلك أن ذاكرة الإيراني، لم تشف بعد، ويبدو أنها لن تشفى، من مشاعر الانتقام التي تكنّها للجيش العراقي، على خلفية حرب السنوات الثمانية بين البلدين، ولأسباب ثقافية ودينية واجتماعية تاريخية وحالية أكثر حساسية.
بنظر المعارضة الإيرانية، أن الساعدي تعرض لمؤامرة مزدوجة، من طرفين، الأول إيراني لديه أسبابه الاستراتيجية والنفسية المعروفة، والثاني عراقي. فالسياسيون العراقيون الموالون لإيران، باتوا قلقين من تزايد شعبية الساعدي، على حساب تراجع حضورهم، فقد تمكن الساعدي بفضل إنجازاته العسكرية واستقلاليته السياسية وروحه الوطنية العالية، من إعادة ترميم ثقة الشعب العراقي بجيشه ومؤسساته الأمنية، وقد أدى هذا، إلى ارتفاع الأصوات عن جدوى الوصاية العسكرية الإيرانية على أمن العراق.
فأغلب المحتجين هم من جيل الشباب، الذين خرجوا اعتراضاً على نسبة البطالة، التي وصلت إلى 25%، إضافة إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والنقص المزمن في المياه والكهرباء وتدهور قطاع الصحة والتعليم وسرقة النفط.
وتؤكد أن لسليماني دوراً خفياً في الضغط على رئيس الوزارء العراقي عادل عبد المهدي من أجل إقالة الساعدي، حيث أنه يسعى (سليماني) إلى تعويم شخصية القيادي البارز في الحشد الشعبي جمال جعفر محمد المعروف بلقب “أبو مهدي المهندس”، مجدداً، كقائد ميداني (عراقي) في معركة تحرير الموصل، لضرب صورة الساعدي شعبياً، بعدما فشل في مسعاه، مع رئيس الوزراء السابق حيد العبادي، إضافة إلى أن إقالة الساعدي، سبقتها موجة اقالات بالجملة، لعدد من كبار الضباط في الجيش العراقي، ممن شاركوا في حرب استعادة المحافظات الغربية والشمالية من “داعش”، الذين يؤكدون أن الجيش العراق لم يتلق أي مساعدة إيرانية خلال حربه مع “داعش”، خلافا لما يدعيه تنظيم الحرس.
هناك سبب عسكري آخر، برأي المعارضة الإيرانية، دفع بالشعب العراقي إلى الشارع، هو تصريحات السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي وهو مستشار سابق لسليماني، التي أدلى بها عبر قناة تلفزيونية عراقية، والتي أعلن فيها أن القوات الأميركية في العراق، ستواجه رداً قاسياً من إيران، في حال فكر الولايات المتحدة بضرب إيران، فالعراقيون، الذين مازالوا يعانون من وطأة الحروب المدمرة التي مرت على بلادهم، لا ينقصهم حشر العراق وسط التوترات المتصاعدة ما بين إيران والولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، لا تُغفل الصحافة الإيرانية المعارضة، العوامل المحلية، التي دفعت بالشعب العراقي إلى الشارع، والتي يتربع على رأسها الفساد الإداري والحكومي.
فأغلب المحتجين هم من جيل الشباب، الذين خرجوا اعتراضاً على نسبة البطالة، التي وصلت إلى 25%، إضافة إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والنقص المزمن في المياه والكهرباء وتدهور قطاع الصحة والتعليم وسرقة النفط.
وينقسم هؤلاء الشباب إلى ثلاث مجموعات: فئة خريجي الجامعات الذين فقدوا الأمل في العثور على وظيفة في الدولة، بسبب انتشار الرشوة بين المسؤولين، التي تصل أحيانا إلى عشرة آلاف دولار، عدا التمييز المذهبي في التوظيف، وفئة الشبان الذين شاركوا في الحرب على “داعش”، ولم يحصلوا على وظيفة أو مكافأة بعد عودتهم، وأخيرا، فئة الشباب الذين كانوا غير مؤهلين للتصويت في الانتخابات السابقة، ويعتبرون الحكومة الحالية لا تعبر عن تطلعاتهم أبدا.
ونقلا عن محتجين عراقيين، ذكرت الصحافة الإيرانية المعارضة، أن العديد من المتظاهرين في الشوارع، يعتقد أن النظام البرلماني، الذي يحكم البلاد منذ 16 عاماً، هو حجر الزاوية في الفساد الحكومي الممنهج، وهو يقسم مقدرات العراق ما بين اللصوص والفاسدين، وأن سكان العراق البالغ عددهم 40 مليون نسمة، يعيشون في فقر مدقع، على الرغم من ثروات بلدهم الهائلة.