تقلصت مساحات التفاؤل لدى اليمنيين إلى أدنى مستوياتها، بشأن وقف الحرب التي دخلت عامها الخامس، مع مرور 6 أشهر كاملة على إعلان اتفاقية السويد لحل الأزمة اليمنية، والتي رعتها الأمم المتحدة بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، دون تحقيق أي تقدم على الأرض.
فلم يكن كثير من المراقبين والمحللين السياسيين في حاجة لتلك المدة الطويلة من أجل الحكم على الاتفاق بالفشل الذريع، فمؤشرات الأسابيع الأولى التي أعقبت التوقيع كشفت جلياً بأنه لن يكون أكثر من مجرد حبر على ورق.
لكن رقعة الخيبة أخذت بالاتساع شيئاً فشيئاً، لتبلغ أقصى مدى في أعقاب إحاطة أخيرة قدمها المبعوث الأممي مارتن جريفيث لمجلس الأمن الدولي مؤخرا، ما دفع الحكومة الشرعية لاتهامه صراحة بالانحياز للحوثيين والتماهي المفضوح مع مسرحياتهم الهزلية بشأن تنفيذ الاتفاق المبرم.
ومنذ الإعلان عن اتفاق ستكولهم، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، دأبت مليشيا الحوثي على إفشال جميع بنود الاتفاق عبر سلسلة من الخروقات ورفضها الالتزام بتعهداتها.
وحيال تلك الخروقات تعاملت الأمم المتحدة بسلبية مريبة، مكتفية بـ"التحسر" فقط على ما تسميه "الفرص المهدرة لتحقيق السلام"، وفقا لخبراء، رغم التعهدات التي قطعتها اليومين الماضيين للحكومة الشرعية.
وتنص بنود اتفاق السويد على بدء سريان وقف إطلاق النار بمدينة الحديدة في 18 ديسمبر/كانون الأول، فيما حدد السابع من يناير/كانون الثاني موعدا لتنفيذ إعادة انتشار القوات فيها، إضافة لاتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين وتفاهمات بشأن فك الحصار عن مدينة تعز، لكن أياً منها لم ينفذ في الواقع.
لكن التعنت الحوثي يصيب الشارع اليمني بخيبة أمل مع مرور نصف عام على توقيع هذا الاتفاق، الذي كان يُنظر إليه بأنه مدخل أساسي لعملية سلام شاملة في هذا البلد.
ويرى المحلل والكاتب السياسي اليمني صالح الحميدي أن إحراز أي تقدم ملموس في بنود اتفاقية السويد يبدو مستحيلاً ما لم يكن هناك ضغط عسكري يجبر الحوثيين على تنفيذ التزاماتهم وتعهداتهم المبرمة.
وأضاف الحميدي، لـ"العين الإخبارية"، أن "لا أحد يتوقع حدوث اختراق ما في هذا الاتفاق، الذي يعد الخطوة الأولى لوقف الحرب وتحقيق سلام دائم باليمن، في ظل التعنت الحوثي واستمرار سياسات التملص من الاتفاقات واستحقاقات السلام".
وأشار إلى أن وقف إطلاق النار "الهش" منذ البداية كان موجودا فقط على الورق، لكن على الواقع خلاف ذلك، فالحوثيون لم يتوقفوا عن زراعة الألغام وحفر الأنفاق وقصف مواقع الجيش واستهداف المدنيين.
ولفت الحميدي إلى أن اتفاقية السويد لم توقف قتل المدنيين الذين تستهدفهم المليشيات في الحديدة بشكل شبه يومي، ولكنها نجحت فقط في وقف تقدم القوات المشتركة، نتيجة الضغوط الكبيرة التي مارستها الأمم المتحدة على الحكومة الشرعية والتحالف العربي.
ووفق إحصائية رسمية وتقارير إعلامية متطابقة، فقد بلغ عدد الانتهاكات الحوثية لاتفاق ستوكهولم في مدينة الحديدة 5083 انتهاكاً، خلفت أكثر من 150 قتيلا مدنيا ونحو 150 من أفراد القوات المشتركة اليمنية المدعومة من التحالف العربي.
وفي بيان رسمي صدر اليومين الماضيين، قال المجلس النرويجي للاجئين إن 250 ألف يمني فروا من منازلهم منذ اتفاق السويد، الذي لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به حد وصف البيان.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة المبذولة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جويتريس لإنقاذ اتفاق ستوكهولم من الانهيار، وبالأخص بعد توتر العلاقة بين الحكومة الشرعية ومبعوثه الخاص إلى اليمن، إلا أن معدلات التفاؤل ما تزال متدنية للغاية، لدى متابعين ومتخصصين في الشأن اليمني.
وأكد سعيد المعمري الإعلامي المتخصص بالشؤون السياسية أن كل جهود السلام موعودة بالفشل طالما بقيت رؤية المجتمع الدولي لطبيعة الصراع الدائر في اليمن كما هي، باعتباره صراعا بين شرعيتين متساويتين، وليس انقلابا مسلحا على سلطة شرعية قائمة (الحكومة اليمنية).
وأوضح المعمري لـ"العين الإخبارية" أن المساواة بين حكومة شرعية وانقلابيين تكشف عن خلل عميق وخطأ كبير في مقاربة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للوضع اليمني، يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ذاتها التي أكدت اعترافها بالحكومة الشرعية كممثل وحيد للدولة.
وسخر من ماهية السلام الذي ينشده المجتمع الدولي في اليمن والمنطقة عموما، في ظل بقاء كل هذه الأسلحة الثقيلة والصواريخ بعيدة المدى وطائرات الدرون بيد مليشيا إرهابية ومجرمة لم تتردد لحظة واحدة في استخدامها ضد المدنيين والأبرياء طيلة السنوات الماضية.