الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - دولي - بعد مرور عام على الوباء.. كيف استغلت الصين أزمة كورونا لصالحها؟

بعد مرور عام على الوباء.. كيف استغلت الصين أزمة كورونا لصالحها؟

الساعة 10:09 مساءً (ann)

قبل نحو عام، كان الحزب الشيوعي الصيني على شفا أكبر أزمة يواجهها منذُ عقود، فقد حول فيروس كورونا ووهان الصينية إلى مدينة أشباح، وفي الأيام التالية، أصبحت جهود الحكومة لإخفاء الوباء علنية، مما أثار رد فعل عنيفا على شبكة الإنترنت.

ومع توالي الضربات على بكين بشكل أسرع من قدرة الدعاية الصينية على التعامل معها، برزت توقعات بأن اللحظة، التي ستتهاوى فيها السيطرة على الفكر والرقابة الصينية المستمرة منذُ عقود، قد حانت.

إلا أن تلك التوقعات لم تكن صائبة، وسرعان ما استعادت الصين سيطرتها على الوضع، وبعد عام، أصبحت سيطرة الحزب الشيوعي على رواية كورونا مُطلقة.
وبحسب رواية بكين، لم تعد ووهان رمزا لضعف الصين بل نقطة قوتها، ويبدو أن ذكريات أهوال العام الماضي بدأت تتلاشى، وحتى المعارضة المعتدلة يتم قمعها.

ووفقًا لصحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية، بدلا من انحناء الصين هذا الأسبوع تخليدًا لذكرى أولئك الذين عانوا وماتوا من الوباء الذي نشأ في ووهان، الإنترنت الصيني يعج بفضيحة ممثلة صينية وأطفالها البديلين، وجدل تفاقم بفضل صحف الدعاية الصينية.

والآن، يمكن تعلم العديد من الدروس حول الصين من عواقب ما حدث في عام 2020، حيث أظهرت المأساة أن بكين لديها القدرة على السيطرة على ما يراه الناس في الصين ويسمعونه ويفكرون فيه بدرجة تفوق حتى ما توقعه أكبر المنتقدين، إذ أظهر الحزب أن لديه الأدوات اللازمة لحشد الناس، مهما كان ما تتعامل معه بكين.

ثورة على الإنترنت

وعند النظر هذا الأسبوع إلى مواقع التواصل الاجتماعي الصينية والمنشورات التي تعود إلى العام الماضي، يتضح أن هناك العديد من المنشورات والمقالات والصور ومقاطع الفيديو التي تمت إزالتها، وكان التحول من الأمل إلى الغضب والحزن واضحا بشكل خاص في الليلة التي توفي فيها الدكتور لي وينليانغ، الذي أُسكته النظام بعد تحذيره من تفشي المرض في أواخر عام 2019، بسبب الفيروس.

وفي تلك الليلة، شن العديد من الصينيين ما يرقى إلى ثورة على الإنترنت، ونشروا مقاطع فيديو لأغنية فرقة ”البؤساء“Les Misérables بعنوان ”هل تسمع الناس يغنون؟“ وشاركوا أحد اقتباسات الدكتور لي مراراً وتكراراً، والتي تقول: ”لا ينبغي للمجتمع السليم أن يكون له صوت واحد فقط“.

وحذّر أحد التوجيهات الدعائية الصينية من أن وفاة الدكتور لي كانت ”تحدياً غير مسبوق“، وأفاد الشباب بأن وسائل الإعلام الرسمية فقدت مصداقيتها.

واعتذر أحد مستخدمي تطبيق ”Weibo“، منصة التواصل الاجتماعي الصينية، عن مهاجمة منتقدي الصين، وقال إنه كان يعتقد أنهم أشرار، ولكنه الآن أدرك أنه كان مخدوعا.

وأوضح أحد المثقفين إنه يتوقع أن يتوسع عدد سكان الشعب الصيني الليبرالي، أولئك الذين يريدون قدرا أكبر من الحرية من ضوابط بكين، من تقديره البالغ 5 -10% من مجموع السكان إلى 30 – 40%.

ومع تصاعد الآمال، حاول آخرون تخفيف الحماس، وتنبأ أحد علماء السياسة أن عدد مستخدمي الإنترنت الصينيين الليبراليين سوف يتقلص بدلا من النمو، وتوقع أن يحتفل الشعب الصيني خلال 3 أشهر بالانتصار المجيد على الوباء تحت قيادة الحكومة الشيوعية العظيمة، وكانت هذه التنبؤات صائبة.

ولاستعادة السيطرة على الرواية في الأيام الأولى من الوباء، بدأت الحكومة الصينية جهدا هائلا وراء الستار للحرص على سيطرة الرقابة حتى على أكثر المستويات المحلية، وكانت الرقابة تستمع وتقرأ كل ما نشره الناس، ثم قام المراقبون إما بمعالجة المشاكل أو إسكات المنشقين.

ويقول مسؤولون صينيون إن الشرطة حققت وتعاملت مع أكثر من 17 ألف شخص يُزعم أنهم لفقوا أو نشروا معلومات مزيفة تتعلق بالوباء.

وبعد 11 أسبوعا، انتهى الإغلاق في ووهان، وبحلول فصل الصيف، ظهرت صورة لحمام سباحة مزدحم في ووهان على الصفحات الرئيسية للعديد من المواقع في جميع أنحاء العالم، وبرزت الصين كقصة نجاح بينما ارتفعت حالات العدوى وعدد الوفيات في الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية الأخرى، وهو ما عزز من قدرة الصين على الترويج للحزب القوي.

الثورة الثقافية

ولدى الحزب الشيوعي الصيني تاريخ طويل بالتحكم في التاريخ، ففي الولايات المتحدة، تتغير الروايات التاريخية وتتضارب، مما يؤدي إلى الجدل وأحياناً حتى العنف، ولكنها تثير وجهات نظر جديدة وتؤدي لفهم أكبر لأسس الهوية الوطنية، ولكن في الصين، نجحت الحكومة في تعليم شعبها أنه لا يمكن حكم البلاد سوى بتحكم يد حديدية في رواية الأحداث.

وبالطبع لدى الحزب الشيوعي روايات محددة حول أخطائه الأكثر خطورة، بما في ذلك ”القفزة الكبرى إلى الأمام“، و“الثورة الثقافية“ وحملة قمع احتجاجات ساحة تيانانمين.

فبعد الثورة الثقافية مباشرة، أصبح ما يسمى بـ“أدب الندبة“، وهي روايات تشبه المذكرات كتبها أولئك الذين عانوا في تلك الفترة المضطربة، شائعًا، ولكن سرعان ما أدرك الحزب خطر السماح للجمهور بمشاركة صدماته الفردية، وحظر هذا النوع من الكتب.

وفي عهد شي جين بينغ، أصبح الحزب أقل تسامحاً مع الأفكار التاريخية غير التقليدية، وفي عام 2016، أُجبرت مجلة ”يانهوانغ تشونتشيو“، وهي مجلة تاريخ شهرية نشر فيها مسؤولون متقاعدون معتدلون، على تسليم سلطتها التحريرية للنظام الحاكم.

ولا تعتبر رواية احداث الوباء الحالي استثناءً لهذا النهج، فقد تم سجن أو إسكات أو إخفاء الصحفيين والكتاب والمدونين الذين عارضوا الرواية الرسمية.

وأصبحت فانغ فانغ، الروائية المقيمة في ووهان، الشخصية الأكثر ذمًا على الإنترنت الصيني في عام 2020، بعد أن وثقت تجاربها مع الإغلاق في الصين بشكل غير سياسي في مذكرات على الإنترنت.

وبدأ الناس على الإنترنت يتهمونها بالكذب والخيانة والشر الإمبريالي، وتشويه سمعة الحكومة والتسبب في احراج الشعب الصيني أمام العالم من خلال نشر ترجمة إنجليزية لمذكراتها في الولايات المتحدة.

ودعا أحد رجال الحكومة إلى التحقيق معها في جريمة تقويض سلطة الدولة، ووبخها أحد علماء الطب رفيعي المستوى لافتقارها إلى المشاعر الوطنية.


ولم يعد أي الناشرين على استعداد أو حتى لديه القدرة على نشر أعمالها في الصين، وغالباً ما يتم حظر منشورات مواقع التواصل الاجتماعي والمقالات التي تدعمها، كما تم عقاب الذين تحدثوا دفاعا عنها علناً، بما في ذلك أستاذة الأدب في ووهان، التي فقدت عضويتها في الحزب الشيوعي وحقها في التدريس.

وقالت إيمي يي، المنظمة لمجموعة متطوعين لمساعدة المعاقين في ووهان: ”اعتقد ان فانغ فانغ كتبت عما حدث، ولا أعتقد أنها شملت المواقف الأكثر خطورة، فقد كانت مذكراتها معتدلة جداً ولا أفهم لماذا لا يمكن التسامح حتى مع هذه الأمور البسيطة“.

وفي الشارع وعلى انفراد، يتكلم الصينيون عن آرائهم وما يدور في أذهانهم بالتفاصيل، ولكن الوضع مختلف على الإنترنت، وخاصة منذ بداية عام 2020، حيث أصبحت الرقابة على الإنترنت أكثر قسوة، وبات معظم الصينيين يقلقون من مخاطر التحدث إلى وسائل الإعلام الغربية، كما طردت بكين العديد من الصحفيين الأمريكيين، بمن فيهم صحفيون من صحيفة نيويورك تايمز.

ولا تعتقد يي، منظمة مجموعة ووهان التطوعية، أن ووهان يمكنها ادعاء الانتصار على الوباء، وقالت: ”عالمي كله تغير، ومن المحتمل ألا يعود أبدا إلى ما كان عليه“، مشيرة إلى أنها لا تزال تعاني من الاكتئاب والخوف من الخروج من شقتها، على الرغم من أنها كانت من الشخصيات الاجتماعية قبل انتشار الوباء، ولم تحضر سوى تجمع اجتماعي واحد فقط منذ نهاية الإغلاق في شهر نيسان/أبريل من العام الماضي.

وذكرت أنه ”فجأة تم حبسنا في المنزل لعدة أيام، وتوفى العديد من الناس، ولكن لم يُحاسب أحد، قد يتحسن شعوري إذا اعترف شخص ما بأنه لم يؤدي عمله واعتذر، فلا أستطيع أن أنسى الألم، فهو محفور في عظامي وقلبي“.