انتهى أسبوع الجزائر المنصرم بتطورات جديدة ومتلاحقة في الساحة السياسية مهّدت -بحسب مراقبين- لمرحلة حاسمة في عمر الأزمة التي أحدثها نظام الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة منذ فبراير/شباط الماضي.
نظام تلقى -خلال الأسبوع- مزيداً من الصدمات التي تزيد -بحسب متابعين- من شل حركته بإقالة مسؤولين كبار في الجيش الجزائري، وفتح تحقيقات في قضايا فساد مع "علب نظام بوتفليقة السوداء" المتمثلة في مستشاره الخاص مختار رقيق ووزير العدل السابق الطيب لوح.
بالتزامن مع ذلك، كشفت الرئاسة الجزائرية عن قائمة وأجندة "لجنة الوساطة والحوار" وإجراءات تهدئة جديدة تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية التي بات لزاماً على مرشحيها الحضور شخصياً لتقديم ملفات ترشحهم لدى المجلس الدستوري.
إقالة 7 قادة عسكريين
خلال الأسبوع الماضي، أحدثت الرئاسة الجزائرية تغييرات واسعة على تركيبة قيادات الجيش الجزائري بإقالة 7 من كبار قادته دون أن توضح أسباب الخطوة، ما أعاد إلى الأذهان أزمة صيف 2018 والتي أطاحت برؤوس عسكرية كبيرة على خلفية فضيحة حجز 701 كيلوجرام من الكوكايين.
وأقال الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح قائد جهاز الدرك الوطني العميد غالي بلقصير الذي خلفه العميد عبدالرحمن عرعار، بالإضافة إلى إقالة قادة النواحي العسكرية الثانية والرابعة والسادسة.
وشملت الإقالات كذلك نواب قادة الناحيتين العسكريتين الثالثة والرابعة، وقائد الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة "بشرشال" في محافظة تيبازة (شرق العاصمة).
في غضون ذلك، فتح القضاء الجزائري تحقيقاً معمقاً حول شبهات فساد ضد وزير العدل وحافظ الأختام السابق الطيب لوح، وأعاد فتح التحقيق مع مدير التشريفات السابق برئاسة الجمهورية مختار رقيق.
وسائل إعلام جزائرية ربطت بين الإقالات والتحقيقات الجديدة، وتحدثت عن وجود علاقات وطيدة بين وزير العدل السابق وقائد الدرك المقال وزوجته التي أقيلت من منصبها "قاضٍ" بمحكمة تيبازة (شرق العاصمة).
وبحسب المصادر الإعلامية، فإن التهمة المشتركة بينهم تتعلق بـ"التستر على ملفات فساد لصالح شخصيات نافذة في نظام بوتفليقة"، وأكدت تهاوي جناح قوي في نظام بوتفليقة تمثله الشخصيات الثلاث المقالة مع مستشار الرئيس السابق.
وفي انتظار ما ستكشف عنه الأيام المقبلة من خبايا نظام بوتفليقة، ذكر الحقوقي والمحامي نجيب بيطام في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن جميع ملفات الفساد التي فُتحت قديمة ومجمدة في عهد وزير العدل السابق الطيب لوح، ووصلت إلى مدير ديوان الرئاسة ومجلس المحاسبة.
وأشار الحقوقي إلى أن "فتح تحقيق ضد الوزير السابق سيكون عن سبب تعطيل التحقيق في هذه الملفات خلال عهده".
أما عن ربط المصادر الإعلامية بين التحقيق مع "لوح" وإقالة قائد الدرك وزوجته القاضية، فقد أشار إلى "عدم وجود معطيات ثابتة من الناحية القانونية".
وتابع: "كل ما يثار حالياً يبقى مجرد شائعات قد تصيب وقد تخطئ، ولا يمكن الجزم حالياً بوجود تواطؤ بين تلك الشخصيات إلا بعد ما ستكشف عنه التحقيقات التي تجري في سرية تامة".
تهدئة ووساطة
ومع نهاية الأسبوع المنصرم، اتضحت معالم وأجندة "لجنة الحوار والوساطة" التي أوكلت لها مهمة التحضير للانتخابات الرئاسية وإنقاذ البلاد من "شبح إلغاء ثالث لها" لحل المعضلة التي تؤرق السلطات الجزائرية منذ إلغاء رئاسيات 18 أبريل/نيسان الماضي.
وشكّل الرئيس الجزائري المؤقت لجنة من 6 شخصيات، يقودها رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس مع مختصين في القانون الدستوري والاقتصاد ونشطاء حقوقيين، تجمع بينهم معارضتهم لنظام بوتفليقة خلال العشرية الأخيرة، وسط حديث عن تراجع أسماء أخرى في اللحظة الأخيرة.
لجنة راحت محملة بجملة من المطالب التي قال أصحابها إن تنفيذها يسهل من مهامها، وتعمل على تهدئة الناقمين على الوضع الحالي، رغم تأكيدها أنها "ليست ناطقاً رسمياً باسم الحراك الشعبي".
ومن المرتقب أن تصدر الرئاسة، في غضون الأيام المقبلة، قرارات تهدئة بإطلاق سراح معتقلي المظاهرات وتخفيف الإجراءات الأمنية المفروضة على المسيرات الشعبية، و"تحرير" الإعلام الحكومي والخاص بالسماح لكل الشخصيات المعارضة بالتعبير عن آرائها.
وبمجرد الكشف عن أسماء وأجندة اللجنة، تباينت ردود فعل الجزائريين حيال بعض الشخصيات الموجودة فيها، بين مرحب بها و"طاعن" فيما يعتبره "خبايا قبولهم بالحوار مع رموز نظام بوتفليقة"، وآخرين استهجنوا غياب ممثلين عن الحراك الشعبي في تركيبة اللجنة.
الناشط الحقوقي البارز عبدالغني بادي انتقد بشدة طريقة تشكيل اللجنة، مشيراً إلى أن الجلوس مع النظام في الكواليس والتعامل السري للتربع على إدارة الحوار يمثل طعنا للحراك في الظهر.
بينما شدد آخرون على أن بلادهم "لم تعد تتحمل مزيداً من تأجيل حل الأزمة، وسط خلافات لا متناهية عن الشخصيات التوافقية"، واعتبروا أن تشكيل اللجنة "خطوة مهمة باتجاه الخروج من الأزمة عبر صناديق الاقتراع"، ودعوا إلى عدم التسرع في الحكم على اللجنة وانتظار نتائج عملها.
بوتفليقة "الحاضر الغائب"
وتزامناً مع مستجدات الأزمة السياسية في البلاد؛ أعلن المجلس الدستوري الجزائري تعديلات جديدة على قوانين نظامه الداخلي والمرتبطة بشروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في البلاد.
ومن أبرز تلك التعديلات "إلزام المرشح للانتخابات الرئاسية بالحضور شخصياً عند تسليم ملف ترشحه للمجلس الدستوري" من خلال نص المادة الجديدة الـ48، بعد أن ترك النص القانوني السابق الـ28 الغموض حول قانونية "الوكالة" في تسليم ملف الترشح.
وتهكم بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي على القانون الجديد، معتبرين أنه "لولا مهزلة تسليم عبدالغني زعلان ملف ترشح بوتفليقة بموكب من 5 ملايين توقيع مزور لما أُلزم المرشح الرئاسي بالحضور شخصياً"، فيما "استبشر" آخرون بالقانون الجديد بالقول "الحمد لله لن يحكمنا رئيس مقعد مرة أخرى".
كما ألغى المجلس الدستوري -بشكل مفاجئ- المادة القانونية الـ71 في نظامه الداخلي، والتي كانت تعتبر أن "آراء وقرارات المجلس إلزامية لكل مؤسسات الدولة".
قرار طرح تساؤلات عن الجهة التي يمكنها تعويض المجلس الدستوري في "قوة إلزامية القرارات"، فيما ذكر عدد من الخبراء القانونيين لـ"العين الإخبارية" أن ذلك يعد تمهيداً لضمان جديد تقدمه السلطات الجزائرية لنزاهة الانتخابات المقبلة.
وأشار خبراء في القانون الدستوري إلى أن صلاحية الإلزام بالآراء والقرارات قد تُمنح للجنة العليا لمراقبة الانتخابات التي سيعاد تشكيلها أو "السلطة الوطنية لمراقبة وتنظيم الانتخابات" التي ستكون من مخرجات "لجنة الوساطة والحوار".